للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصفة الغضب ثابتة لله تعالى كما أثبتها لنفسه سبحانه بقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:٩٣]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:٢٨]، فهي عند أهل الحق صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق بجلاله سبحانه ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق، قال ابن أبي العز: (ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى) (١).

بل في قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:٥٥] رد على من فسر السخط والغضب بالانتقام فإنه نتيجة لهما كما أن الثواب نتيجة الرضى، والعقل يدل على إثبات السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب، وليس دليلاً على الرضى ولا على انتفاء الغضب والسخط (٢).

ويقال لمن تأول الغضب بإرادة الانتقام، لم تأولت ذلك؟ فلا بد أن يقول: إن الغضب غليان دم القلب وذلك لا يليق بالله تعالى، فيقال له: غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب لا أنه الغضب، ويقال له أيضاً: كذلك الإرادة والمشيئة فينا فهي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه؛ فإن الحي منا لا يريد إلا ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة وهو محتاج إلى ما يريده ومفتقر إليه ويزداد بوجوده وينتقص بعدمه، فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء، فإن جاز هذا جاز ذاك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك.


(١) شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٦٨٥.
(٢) مجموع فتاوى ابن عثيمين بتصرف ٨/ ٢٢٥.

<<  <   >  >>