للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشنقيطي عن هذا الوجه الأخير: (وهو أوجهها لدلالة القرآن عليه .. ) إلى أن قال: (وجه دلالة القرآن على هذا أن سؤاله المنصوص: في كله توبيخ وتقريع؛ كقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٥]، وقوله: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور:١٥]، وكقوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:١٣٠]، وكقوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:٨]، إلى غير ذلك من الآيات. وسؤال الله للرسل ماذا أُجِبتم لتوبيخ الذين كذبوهم كسؤال الموؤودة: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٩] لتوبيخ قاتلها) (١).

ومما يؤيد هذا: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة أخص من السؤال المثبت فيها؛ لأن السؤال المنفي مقيد بكونه سؤالاً عن الذنوب؛ كقوله تعالى: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨] فخصه بكونه عن الذنوب، وكذلك في قوله سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩)} [الرحمن:٣٩]، والمراد به: الاستعلام والاستخبار، وهذا لا ينافي ثبوت نوع آخر من السؤال، كسؤال التوبيخ والتقريع؛ لأنه نوع من العذاب، وكذلك سؤال التقرير؛ لأن آية إثبات السؤال جاءت عامة حيث قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)} [الحجر:٩٢]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة (٢)، وهذا هو أولى الأوجه بالجواب.

قال القرطبي: (والقول بالعموم أولى) (٣)، أي: عموم السؤال للجميع.

وبهذا يزول ما يوهم التعارض بين الآيات. والله تعالى أعلم.


(١) دفع إيهام الاضطراب ص ١٠٦.
(٢) ينظر: أضواء البيان ١/ ٤٠٨، ٤٠٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٦١.

<<  <   >  >>