للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ»، قال: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ الله تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ الله جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَالله لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ (١) ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ الله - عز وجل -، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ» (٢).

إن استحضار العبد لمنة الله عليه يزيل من القلب غبش العُجب، ويغسله من درن الإدلال، ويطهره من الدنس ليكون وعاءً نظيفًا يتزكى بالإيمان ويرتفع بأعمال القلوب، وينتفع بأعمال الجوارح، أما إذا وُجدت هذه الأعمال مع شوائب العجب والإدلال بالعمل، فإنها تسحق قلب صاحبها سحقًا، فلا تبقي فيه خيرًا ولا تذر، قال الله تعالى في الحديث القدسي عن من أدلَّ بعمله: «قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» (٣).

فأوقد يا طالب العلم في ذهنك شرارة الشعور بمنة الله وتزكيته لك، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:٢١].


(١) أي: ما يَمْلؤُها حتَّى يَطْلُعَ عنها ويَسِيل. ينظر: النهاية في غريب الحديث (٣/ ١٣٣).
(٢) أخرجه البخاري (٥/ ١٢) رقم (٣٦٩٢) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٢٣) رقم (٢٦٢١) من حديث جندب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>