وَله صنّف أَبُو عَليّ الْفَارِسِي الْإِيضَاح والتكملة؛ وَهُوَ الَّذِي أظهر قبر عَليّ بن أبي طَالب بِالْكُوفَةِ، وَبنى عَلَيْهِ المشهد؛ ويحكى أَنه أَمر أَبَا عَليّ النديم بملازمته، وأفرد لَهُ دَارا عِنْده، فَقَالَ: مَا أقدر على الْإِقَامَة لِأَنِّي كثير الْأكل، فَأمر أَن يرتب لَهُ كل يَوْم مائدتان، وألزمه أَن يحفظ من شعره ليغنيه، فَأتي يَوْمًا بِطَعَام بَات وَتغَير، فَمر بِهِ صديق، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: كَيفَ حَال من يَأْكُل من هَذَا {وَأَشَارَ إِلَى الطَّعَام، ويحفظ من هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى شعر عضد الدولة؛ فَبلغ ذَلِك عضد الدولة، فَأمر بضربه عشْرين سَوْطًا، فَلَمَّا ضرب قَامَ ونفض ثِيَابه، وَقَالَ: أَكثر الله خَيركُمْ؛ فَبلغ ذَلِك عضد الدولة، فَأمر بضربه مائَة سَوط عدلية - والعدلية: أَن يضْرب زِيَادَة على الْمِائَة عشْرين لِئَلَّا يكون مِنْهَا شَيْء غير مؤلم فَتكون تِلْكَ الْعشْرُونَ معدلة - فَفعل بِهِ ذَلِك، فَلَمَّا قَامَ من الضَّرْب قَالَ: مَا عَسى أَن أَقُول فِيكُم} صَلَاتكُمْ الْمِائَة سَبْعُونَ، وعقوبتكم الْمِائَة مائَة وَعِشْرُونَ! فَبلغ عضد الدولة فَقَالَ: دَعوه يقل مَا شَاءَ، وَلَا تعلموني بِمَا يصدر عَنهُ.
وَمن شعر عضد الدولة:
(لَيْسَ شرب الراح إِلَّا فِي الْمَطَر ... وغناء من جوَار فِي السحر)
(غانيات سالبات للنهى ... ناعمات فِي تضاعيف الْوتر)
(مبرزات الكأس من مطْلعهَا ... ساقيات الراح من فاق الْبشر)
(عضد الدولة وَابْن ركنها ... ملك الْأَمْلَاك غلاب الْقدر)
وَلم يفلح بعد هَذَا الْبَيْت، وَمَات بعلة الصرع يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شَوَّال سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة بِبَغْدَاد، وَنقل إِلَى الْكُوفَة، وعاش ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين سنة؛ وَلما احْتضرَ لم ينْطق إِلَّا بِتِلَاوَة: {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute