للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى بهرهم، فَبلغ خَبره الْوَزير أنوشروان، فَأدْخلهُ إِلَيْهِ، وأكرمه، فتحادثا يَوْمًا حَتَّى انْتهى الحَدِيث إِلَى ذكر أبي زيد السرُوجِي، فأورد المقامة الحرامية الَّتِي عَملهَا فِيهِ فاستحسنها أنوشروان جدا، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَن تُضَاف هَذِه إِلَى أَمْثَالهَا، فَقَالَ: أفعل مَعَ رجوعي إِلَى الْبَصْرَة وَتجمع خاطري بهَا، ثمَّ انحدر إِلَى الْبَصْرَة، فَصنعَ أَرْبَعِينَ مقامة ثمَّ أصعد إِلَى بَغْدَاد وعرضها على أنوشروان، فاستحسنها وتدوالها النَّاس، فاتهمه من يحسده، وَقَالَ: لَيست هَذِه من عمله، لِأَنَّهَا لَا تناسب رسائله؛ وَقَالُوا: هَذِه من صناعَة رجل كَانَ استضاف بِهِ؛ وَمَات عِنْده، فادعاها، فَإِن كَانَ صَادِقا فليصنع مقامة أُخْرَى، فَقَالَ: سأصنع، وَجلسَ فِي منزله بِبَغْدَاد أَرْبَعِينَ لَيْلَة؛ فَلم يتهيأ لَهُ تَرْتِيب كَلِمَتَيْنِ، وسود كثيرا من الكاغد، فَلم يصنع شَيْئا، فَعَاد إِلَى الْبَصْرَة، وَالنَّاس يقعون فِيهِ، فَمَا غَابَ إِلَى مديدة حَتَّى عمل عشر مقامات، وأضافها إِلَيْهَا وأصعد إِلَى بَغْدَاد؛ فَحِينَئِذٍ بَان فَضله، وَعَلمُوا أَنه من عمله.

وَكَانَ مولده بِبَلَد قريب من الْبَصْرَة يُقَال لَهُ المشان، وَكَانَ قذرا ذَمِيمًا مبتلى بنتف لحيته فَقَالَ بَعضهم:

(شيخ لنا من ربيعَة الْفرس ... ينتف عثنونه من الهوس)

(أنطقه الله بالمشان وَقد ... ألْجمهُ فِي الْعرَاق بالخرس)

وَقَالَ بَعضهم: قَرَأت المقامات على مؤلفها فوصلت إِلَى قَوْله:

(يَا أهل ذَا المغنى وقيتم شرا ... وَلَا لَقِيتُم مَا بَقِيتُمْ ضرا)

(قد دفع اللَّيْل الَّذِي اكفهرا ... إِلَى ذراكم شعثا مغبرا)

فَقَرَأته " سغبا معترا "، ففكر سَاعَة، ثمَّ قَالَ: وَالله لقد أَجدت فِي التَّصْحِيف فَإِنَّهُ أَجود، فَرب شعث مغبر غير سغب معتر، والسغب المعتر مَوضِع الْحَاجة؛ وَلَوْلَا أَنِّي كتبت بخطي إِلَى هَذَا الْيَوْم على سَبْعمِائة نُسْخَة قُرِئت عَليّ لغيرته كَذَلِك.

وللزمخشري فِي المقامات:

(أقسم بِاللَّه وآياته ... ومشعر الْحَج وميقاته)

(أَن الحريري حري بِأَن ... تكْتب بالتبر مقاماته)

<<  <  ج: ص:  >  >>