للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحاديث الآحاد لا تفيد في نفسها إلا الظن الذي لا يجوز الأخذ به في العقائد لأنه لا يغني من الحق شيئاً، وهذا الظن الذي فهموه من عبارة المتكلمين هو الذي لا يغني من الحق شيئاً، وما أظن أن مسلماً يعتد بعلمه يقول به ... " ١.

ثم عرّف الشيخ رشيد المعنى الصحيح لكلمتي الظن واليقين لغة واصطلاحاً، ثم قال: "إذا فقهت هذا فاعلم أن كل اعتقاد يُستفاد من السماع يطلق عليه في اللغة اسم الظن باعتبار مأخذ لذاته، واسم اليقين إن جزم صاحبه به، وكذا اسم العلم أن مدلوله حقاً. ولكن نفس السماع أي: إدراك الأصوات المحقق لا يسمى ظناً بل علماً. وخبر التواتر إنما يفيد العلم القطعي بضرب من الاستدلال النظري وإن اعتمدوا أنه يفيد الضروري فإن من شروطه أن يخبر كل واحد من المخبرين الكثيرين عن حس، أي مما سمعه بأذنه أو رآه بعينه مثلاً وأن يقوم الدليل أو القرائن على أنهم لم يتواطؤوا على الكذب، وأن يتحقق ذلك في كل طبقة من الطبقات ... وقد اختلف العلماء في العدد الذي يحصل بخبره التواتر ... ولكنهم اتفقوا على أن آيته حصول العلم الجازم بمدلول الخبر، ومثل هذا العلم كثيراً ما يحصل بخبر الواحد ... مثال هذا النوع من خبر الواحد الذي يحصل به الاعتقاد الجازم ـ وإن لم يكن المخبر به متصفاً بعدالة رواة الحديث ـ أكثر ما نسمعه كل يوم ممن نعاشر ونخالط من أصدقائنا ومعاملينا ... ومن هذا القبيل كل خبر لا مجال للتهمة فيه، وأما إخبارهم فيما يتهمون فيه فهي التي يرتاب فيها ويحتاج إلى الأدلة والقرائن في تمييز راجحها من مرجوحها، مثال ذلك مدح النفس والدفاع عنها والطعن في الخصوم ... فالأخبار في أمثال هذه المسائل يكثر فيها الكذب والخلط؛ إما بالتعمد أو بعدم الضبط ... فمن وعى ما ذكرنا وتدبره يعلم منه ما يعلم من نفسه إذ هو فكّر في مصادر علمه، والمصادر التي يحدث بها ويتلقاها من غيره، وهو أن الأصل في أخبار جميع الناس الصدق، وأن


١ مجلة المنار (١٩/٣٤١ـ ٣٤٣) وانظر الرأي القديم: مجلة المنار (٧/ ٦١٢ و٦/٥٥ و ٧/٣٧٨) ، والتفسير (٣/٢٩٢ و ٧/٦٠٦) ورأي محمد عبده: المجلة (٧/٤٣٨) .

<<  <   >  >>