للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن رشيد رضا يرى أن معنى قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ١ أي: "أنقذنا لأحكام الدين الظاهرة وأخذنا بأعماله البدنية..." ٢ أي أنه ليس على الحقيقة المقبولة عند الله تعالى والتي تتوارد مع اسم الإيمان باعتبارهما الإسلام الصحيح والإيمان الصادق. وعلى ذلك يكون رشيد رضا قد جمع بين الآيات التي تثبت إسلاماً بلا إيمان والآيات التي تعتبرهما حقيقة واحدة.

ويرى رشيد رضا أنه كما يطلق اسم الإسلام في القرآن على ما ليس على الحقيقة فكذلك اسم الإيمان قد يطلق على مجرد الدعوى الظاهرة، فيقول: "وقد يطلق كل من الإيمان والإسلام على ما يكون منهما ظاهراً سواء كان ذلك عن يقين أو عن جهل ونفاق. فمن الأول: الشق الأول من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية ٣ فالمراد بالذين آمنوا في أول الآية الذين صدقوا بهذا الدين في الظاهر. وقوله: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ} ألخ هو الإيمان الحقيقي الذي عليه مدار النجاة...ومن الثاني قوله: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ٤ أي: دخلنا في السلم الذي هو مسالمة المؤمنين بعد أن كنا حرباً لهم، وليس معناه الإخلاص والانقياد مع الإذعان وإلا لما نفى عنهم إيمان القلب. وهذا هو التحقيق في المسألة ولله الحمد.." ٥.

والذي أراه أن الشيخ رشيد قد أصاب كبد الحقيقة وهذا من تحقيقاته الدقيقة ـ رحمه الله ـ التي وافق فيها مذهب السلف.


١ سورة الحجرات، الآية (١٤)
٢ تفسير المنار (٢/ ٢٥٤)
٣ سورة البقرة، الآية (٦٢)
٤ سورة الحجرات، الآية (١٤)
٥ تفسير المنار (٣/ ٣٦٠) ولا بد أن رشيد رضا قد استفاد في هذا التحقيق من السفاريني الذي نقل كلام شيخ الإسلام. انظر: السفاريني: لوامع الأنوار (١/٣٦٨) وما بعدها، ط. المنار. وقارن مع ابن تيمية: الإيمان (ص: ٢٢٥) وما بعدها. وانظر أيضاً (ص: ١٥٢ و ١٧٧و ٢٤٠)

<<  <   >  >>