للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقه في نفسه الإمكان فليس يصير موجوداً من ذاته، فإنه ليس وجوده من ذاته أولى من عدمه من حيث هو ممكن، فإن صار أحدهما أولى فلحضور شيء أو غيبته. فوجود كل ممكن هو من غيره" ١. ثم قال: "إما أن يتسلسل ذلك إلى غير نهاية فيكون كل واحد من آحاد السلسلة ممكن في ذاته، والجملة متعلقة بها، فتكون غير واجبة أيضاً وتجب بغيرها" ٢. ففي الفقرة الأولى أشار إلىأن الممكن لا يوجد إلا لعلة تغايره. وتقريره أن الممكن إما أن تحتاج ذاته في أن تكون موجودة إلى غيرها أو لا تحتاج، والثاني باطل لاستحالة الترجيح بلا مرجح. إذن الأول حق. وفي الفقرة الثانية يريد إثبات واجب الوجود لذاته. وتقرير الكلام بعد ثبوت احتياج الممكن إلى الغير ـ أن ذلك الغير إما واجب وإما ممكن. والكلام في ذلك الممكن كالكلام في الممكن الأول، فأما أن ينتهي إلى واجب أو يدور ٣ أو يتسلسل ٤ إلى غير نهاية فتبين أن سلسلة الممكنات ـ على فرض وجودها ـ محتاجة إلى شيء خارج عنها ٥. وهذه الطريقة كما هو ظاهر هي عقلية نظرية جدلية، ومبنية على مقدمات منطقية أعقد وأطول من مقدمات المتكلمين في مسألة "حدوث العالم" وهي مع ذلك أشد فساداً منها وأسوأ لازماً ٦.


١ الإشارات والتنبيهات (٣/ ٢٠ ـ ٢١) .
٢ المصدر نفسه.
٣ الدور: هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه، فإذا قيل إن ممكناً هو (أ) متوقف وجوده على ممكن آخر هو (ب) ثم قيل إن (ب) الذي يتوقف وجود (أ) عليه متوقف في وجوده على (أ) آل الأمر إلى أن (أ) متوقف في وجوده على نفسه. ومعنى توقف وجوده على نفسه أن وجوده من ذاته ووجود الممكن من ذاته مستحيل كما هو الفرض. انظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (١/ ٣١) والجرجاني: التعريفات (ص: ٩٤)
٤ التسلسل: هو ترتيب أمور غير متناهية وأقسامه أربعة. انظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (١/ ٣٣) وما بعدها، والجرجاني: التعريفات (ص: ٤٩)
٥ انظر: الطوسي: شرح الإشارات حاشية الإشارات والتنبيهات، وانظر: سليمان دنيا: مقدمة الإشارات (١/ ٢٨) وما بعدها.
٦ وانظر لتفصيل نقد هذه الطريقة: ابن تيمية: درء التعارض (١/ ٨) وما بعدها، والنبوات (ص: ٧٣ ـ٨٤) ، ومنهاج السنة (١/ ٩٦) ط. جامعة الإمام، الأولى، ١٤٠٦هـ، ت: رشاد سالم.

<<  <   >  >>