للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأريد هنا أن أنبه على أمرين: أحدهما: مسألة فطرية الاستدلال، فإن الشيخ محمد عبده، شارح العقائد العضدية، إن كان يريد بالاستدلال نظم الأدلة المنطقية على طريقة المتكلمين، فيقال له: إن هذا ليس فطرياً، بل لا يحسنه إلا من يحسن الجدل، وما هو إلا بالتعلم.

وإن كان يريد به:"نفس طلب العلم بالدليل والنظر فيما يدل على الشيء، فهذا مركوز في فطرة جميع الناس، فإنه ما منهم أحد إلا وعنده من نوع النظر والاستدلال، بل ومن نوع الجدال، بحسب ما هداه الله إليه من ذلك" ١.

والذي يرجح عندي أنه إنما يقصد النظر والاستدلال بالمعنى الثاني، أي الفطري، قوله: "إن لم يكن ظاهر البداهة" فإن المتكلمين إنما يستدلون على ما هو ظاهر بالبداهة كحدوث الإنسان والعالم.

وأما الأمر الثاني: فهو أن الاستدلال على النحو الذي فصل قبل، هو دين الفطرة، ولا ريب، إلا أنه ليس هو الفطرة كلها، وكما نقلنا عن السلف والخلف قبل قليل، أن الفطرة التي أشارت إليها آية سورة الروم، وحديث الصحيحين وغيرهما هي الدين أو الإسلام أو المعرفة بالله تعالى والإيمان به.

وكما أن للفطرة سنناً أخرى جبل عليها الإنسان، وما إليها بفطرته وطبعه، فالإنسان " مدني بالطبع، ومتدين بالطبع، وبالفطرة كما يقول الإسلام" ٢.

تفسير آخر للفطرة عند الشيخ رشيد:

وإن كنا قد رأينا الشيخ رشيد قد وافق السلف في تفسير الفطرة الشرعي، إلا أنه كان له رأي قديم، وقد عاد إليه وذكره، وقال إنه لا يخالف ما ذهب إليه في الجديد، إلا أنني رأيت من واجبي أن أقف قليلاً


١ انظر: ابن تيمية: درء التعارض (٧٤٣٩)
٢ رشيد رضا: الوحي المحمدي (ص:٢١)

<<  <   >  >>