للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند هذا الرأي لأنه يحتاج إلى تفصيل وتوضيح. قال الشيخ رشيد رحمه الله:

"وفسر كثير من العلماء الفطرة بالاستعداد للخير والشر والحق والباطل، ورواية مسلم هكذا: "كل مولود تلده أمه على الفطرة فأبواه بعد يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم" وهو الذي جرينا عليه في كتابنا الحكمة الشرعية ولا تنافي.."١.

والذي أريد أن أقوله: إن ظاهر كلام الشيخ يد ل على أن الناس خلقوا مستعدين للأمرين دون ميل إلى أحدهما، فإذا كان الخير وهو معرفة الله تعالى وما يتبعها، والشر هو إنكار ذلك وما يتبعه من الكفر كان الناس مخلوقين خالين من هذين، كالصفحة البيضاء التي تقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، وحينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار والتهويد والتنصير والتمجيس والإسلام، وهذا يقتضي أنها ـ أي الفطرة ـ لا تذم ولا تمدح، وهذا القول غير صحيح، فالآية تشعر بمدح هذه الفطرة، والأمر بلزومها، فلا بد أن يكون في هذه الفطرة الممدوحة ميل إلى الحق والمعرفة بالله ومحبته وعبادته، لولا المعارض المانع من ذلك، وإلا لما استحقت المدح والأمر بلزومها.

"وأما إذا كان المراد بهذا القول أنهم ولدوا على الفطرة السليمة التي لو تركت مع صحتها لاختارت المعرفة على الإنكار والإيمان على الكفر، ولكن بما عرض من الفساد خرجت عن هذه الفطرة، فهذا القول قد يقال: إنه لا يرد عليه ما يرد على ما قبله، فإن صاحبه يقول: في الفطرة قوة يميل بها إلى المعرفة والإيمان.."٢.

ويتضح من هذا النقل أن الفطرة لا بد أن تكون ميلاً إلى الحق والمعرفة حتى تكون ممدوحة، مأموراً بلزومها، وإلا لو كانت مستوية الأجزاء لامتنع مدحها لاستواء نسبتها حينئذ إلى ما استعدت إليه دون ميل منها إلى أحد أفراده. ومهما يكن من شيء فإن التعريف الصحيح هو ما


١ مجلة المنار (٨/ ٢١) وانظر: أيضاً التفسير (٩/ ٥٧٤) وانظر: مسلم: الصحيح، ك: القدر، ح: ٢٥ (٢٦٥٨) (٤/٢٠٤٨)
٢ ابن تيمية: درء التعارض (٨/ ٤٤٥) .

<<  <   >  >>