للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول.. ما أخذه الله من ميثاق الفطرة والعقل على البشر عامة، إذ استخرج من بني آدم ذريتهم بطناً بعد بطن، فخلقهم على فطرة الإسلام، وأودع في أنفسهم غريزة الإيمان، وجعل من مدارك عقولهم الضرورية أن كل فعل لا بد له من فاعل، وكل حادث لا بد له من محدث، وأن فوق العوالم الممكنة القائمة على سنة الأسباب والمسببات، والعلل والمعلولات سلطاناً أعلى على جميع الكائنات، هو الأول والآخر، وهو المستحق للعبادة وحده.." ١.

ويبدو واضحاً أن الشيخ يرى أن هذا الميثاق كان إرادة كونية وخِلقة طبيعية، خلق عليها الناس، وفطروا على إقرارها، كقانون السببية، الذي هو أساس الاعتقاد البشري الفطري بوجود الخالق.

وليس هذا الميثاق والحوار والسؤال والجواب وحياً قولياً، ولا كان الجواب بلسان المقال، بل بلسان الحال، ويصرح الشيخ بذلك قائلاً: "أي: أشهد كل واحد من هذه الذرية المتسلسلة على نفسه بما أودعه في غريزته واستعداد عقله قائلاً قول إرادة وتكوين، لا قول وحي وتلقين، ألست بربكم؟ فقالوا كذلك بلغة الاستعداد ولسان الحال، لا بلسان المقال: بلى أنت ربنا والمستحق وحده لعبادتنا" ٢.

وبهذا يميل الشيخ رشيد إلى أحد القولين في تفسير هذا الميثاق، وهو الرأي القائل، بأن استخراج الذرية، هو خلقه تعالى لها جيلاً بعد جيل، على ترتيبهم في الوجود، على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء، ودلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد، فتكون هذه الآية من باب التمثيل ٣.


١ المصدر نفسه (٩/ ٣٨٧)
٢ المصدر نفسه (٩/ ٣٨٧)
٣ انظر: أبو السعود: إرشاد العقل السليم (٣/ ٢٩٠) ، وصديق حسن خان: فتح البيان (٣/ ٤٥٢) ، وناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن (٣/ ٥٦) ، ومحمد الأمين الشنقيطي: أضواء البيان (٢/٣٠٠) ، النسفي: مدارك التأويل (٢/ ٨٥) ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر.

<<  <   >  >>