للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} ١.فكلمات الله في التكوين باعتبار آثارها ومصداقها هي آحاد المخلوقات والمبدعات الإلهية، فإنها تنطق بلسان أفصح من لسان المقال.. ألا إن لله كتابين: كتاباً مخلوقاً وهو الكون، وكتاباً منزلاً وهو القرآن، وإنما يرشدنا هذا إلى طريق العلم بذاك.." ٢. لذلك ـ وكما يقول رشيد رضا ـ " إن أجدر الناس بقوة الإيمان بالله تعالى علماء الطبيعة الواقفون على ما لا يعرفه غيرهم من علماء الدين بنظام الكون وآيات الله تعالى فيه. وهم العلماء المشار إليهم في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} ٣ فلا ريب أن المراد هنا العلماء بآياته تعالى وحكمه في نظام هذه الكائنات المذكورة في الآيات" ٤. وكانت القسمة التي ذكرها رشيد رضا من أن لله كتابين أحدهما كتاب الكون المخلوق والآخر الكتاب المنزل غير المخلوق، تقتضي أن يدخل في هذه الآية أيضاً علماء الدين الذين يرشدون علماء الكون إلى آيات الله تعالى كما قال رشيد رضا: "إنما يرشدنا هذا إلى طريق العلم بذاك" ٥.

وينتقل بنا القرآن الكريم من هذا الإجمال والأمر العام بالنظر والفكر، إلى تفصيلات وجزئيات في الخلق، مما نلمسه ونشاهده في حياتنا اليومية، من آياته تعالى في الآفاق وفي أنفسنا، مما قد نغفل عنه لتكراره أمام عيوننا، فيدفعنا إلى النظر فيه ويلفت انتباهنا إلى ما أودع فيه من الآيات التي تُورث الناظر فيها اليقين التام والمعرفة الحق بالخالق ووحدانيته وربوبيته


١ سورة لقمان: الآية (٢٧)
٢ تفسير المنار (٢/ ٦٤) وقارن مع ابن الوزير: البرهان الساطع (ص: ٧٠ وما بعدها)
٣ سورة فاطر، الآية (٢٧ و٢٨)
٤ مجلة المنار (١٣/ ٩١٤) وانظر أيضاً: مجلة المنار (٢/ ٤٠٤) وهذا الحصر غير مسلم، يدخل معهم العلماء بآيات الله المنزلة، وقد كان الصحابة أكمل الناس إيماناً ولم يكونوا من علماء الكون.
٥ تفسير المنار (٢/ ٦٤)

<<  <   >  >>