للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الخلاف ففي أمر ثالث هو الحدوث الدهري أي قبل خلق الأفلاك، والاستناد إلى المبدع الصانع المخرج لنظام العالم بجملته من العدم الصريح إلى الوجود في الدهر. فأفلاطون قائل بهذا النوع من الحدوث بخلاف أرسطو وأتباعه١.

"والذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب: أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله.. كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، والشمس والقمر هما من السماوات والأرض وحركتهما بعد خلقهما، والزمان مقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما.. فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر" ٢.

وهذا العرض السابق هو ما يقرره الشيخ رشيد إذ يعرض رأي الفلاسفة قديماً وحديثاً ثم يعقب ذلك بالرأي الصحيح ـ في نظره ـ إذ يقول: "أما مسألة حدوث العالم في نظر الفلاسفة فالمتفق عليه عند فلاسفة هذا العصر أن كل ما نراه ونحس به من هذه العوالم الأرضية والسماوية فهو حادث بمعنى أنه لم يكن كما هو الآن ثم كان.

ولكن عضلة العقد عند المتقدمين والمتأخرين هي مسألة منشأ التكوين، وهم متفقون على أن الوجود المطلق قديم وأن العدم المطلق لا حقيقة له ولا يتصوره العقل، وأنه لا يحدث شيء من لا شيء.. ونحن نقول إنها الطريقة التي جرى عليها القرآن وقررها الإسلام، فليس في كتاب الله آية تدل على أن الوجود الحقيقي صدر عن العدم الخيالي، بل قال {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} ٣ والخلق لغة: الترتيب وهو لا يكون في العدم. بل قال: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} ٤ وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً


١ المصدر نفسه (ص: ٣٥٥ـ ٣٥٦)
٢ ابن تيمية: درء التعارض (١/ ١٢٢ ـ ١٢٣)
٣ سورة الفرقان، الآية (٢)
٤ سورة الأنبياء، الآية (٣٠)

<<  <   >  >>