للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى كل حال لم يكن رشيد رضا مسلماً نظرية داروين فقد كان يجيب عن شبهاتها ويفند آراء أصحابها والمتمسكين بها. ولكنه أيضاً يجيب عنها على فرض صحتها ١، وهو في هذا الموقف لا ينكر أبوة آدم، بل يقف الموقف نفسه الذي وقفه شيخه الأول والأخير، وهو التوقف في نظرية داروين. وكان رشيد رضا يفسر الآيات التي تشير إلى هذا المعنى ـ بعد وفاة شيخه وانفراده بالتفسير ـ على أن آدم هو أبو البشر وأنه خلق من طين ٢. فيكون هذا هو رأيه مع توقفه في نظرية داروين وعدم معارضتها ـ لو صحت ـ للقرآن.

والحقيقة أن نظرية داروين كانت أساساً للإلحاد في الدين ـ فإن كان داروين لا ينكر بنظريته هذه قضية الخلق الإلهي، إلا أن نظريته كانت أساساً لمن جاء بعده من الفلاسفة فجعلوا هذه النظرية حجة لهم في إلحادهم، وقولهم بالتولد الذاتي، وهذا هو أساس الإلحاد، وليس مجرد قول داروين بالتطور، وليس هو القول بخلق الحياة من الجماد فإن الله {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} ٣ ولكنه القول بالتولد الذاتي ٤.

ومهما يكن من شيء: فإن تطبيق نظرية النشوء والارتقاء على الإنسان والقول باشتقاقه من حيوان آخر كالقرد، لا يأتلف قطعاً مع خلقهم من نفس واحدة أياً كانت النفس الواحدة، إذا ليس معنى تطبيق تلك النظرية على البشر أن يشتق إنسان واحد من قرد واحد ثم ينتشر فيرجعوا إلى أصل واحد، بل أساس النظرية يأبى رجوع أصل الأنواع إلى الواحد الشخصي، والآية تأبى تلك النظرية بمجرد تعبير {نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} عن الأصل الذي خلق منه البشر كائناً ما كان المراد من تلك النفس الواحدة فقول القائل: "إن


١ انظر: مجلة المنار (٨/ ٩٢٠ و٩/ ١٤١ و٣٠/ ٥٩٧ ـ ٦٠٠)
٢ انظر: تفسير المنار (٧/ ٢٩٦ و٨/ ٣٢٨) وكان يسارع بنشر كل ما يبطل هذه النظرية. انظر: مجلة المنار (٣١/ ١٣٠)
٣ سورة الأنعام، الآية (٩٥)
٤ انظر: نديم الجسر: قصه الإيمان (ص: ٢١٧)

<<  <   >  >>