للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الأوزاعي: "كان الزهري ومكحول ١ يقولان: أمرّوا الأحاديث كما جاءت" ٢ يعني أحاديث الصفات. وروي نحوه: عن وكيع ٣ ومالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم ٤.

ولا ريب أن السلف يريدون بذلك تفويض الكيفية، إذ أن المعنى في هذا لا يفوض لأنه مفهوم بالضرورة من لغة العرب ٥. فكانوا يفهمون معنى استوى على العرش، واستوى إلى السماء وغيره ويفرقون بين هذه المعاني ٦. وأيضاً لو كان مذهب السلف نفي معنى الصفة لما قالوا: بلا كيف، فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضاً قولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني ٧.

ومن قواعد السلف في الإيمان والتنزيه وتفويض الكيفية، قاعدتان كبيرتان:

أولاهما: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات وإنما أثبتناها لأن التوقيف ورد بها ٨.


١ أبو عبد الله من أقران الزهري، عالم أهل الشام، ت: ١١٣هـ. السير (٥/١٥٥) .
٢ اللالكائي (٣/ ٤٣١) ، والبيهقي (٢/ ١٩٨) ، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٦)
٣ أخرج قوله: عبد الله بن أحمد في السنة (١/٢٦٧)
٤ انظر: البيهقي: الأسماء والصفات (٢/ ١٩٨) ، وابن عبد البر: جامع بيان العلم (٢/ ٩٦) ، والآجري: الشريعة (ص: ٣١٤)
٥ انظر: ابن منده: التوحيد (٣/ ٧) .
٦ انظر: اللالكائي: مصدر سابق (٣/ ٤٤٢ ـ ٤٤٣)
٧ انظر: ابن تيمية: الحموية (ص: ٢٥) ، وسيبويه: الكتاب (١/ ٢٤) ، وأحمد عبد الرحمن: مذهب التفويض (ص: ٣٨٨)
٨ انظر: قوام السنة: الحجة (١/ ١٧٥) ، والخطيب البغدادي: رسالة في الكلام على الصفات (ص:٢٠) ت: عمرو عبد المنعم، نشر مكتبة العلم بجدة، وهذا الموضع منها تجده في السير (١٨/ ٢٨٣ ـ ٢٨٤) ، وانظر: شرح هذه القاعدة عند ابن تيمية: التدمرية (ص: ١٥ ـ ١٦) وفالح آل مهدي: التحفة المهدية (١/ ٨٨)

<<  <   >  >>