للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمعنا، وإن له رحمة حقيقية هي صفة له لا تشبه رحمتنا التي هي انفعال في النفس، وهكذا نقول في سائر صفاته تعالى، فنجمع بذلك بين العقل والنقل.." ١.

ويكرر الشيخ رشيد هذا المعنى مؤكداً عليه وعلى أن طريقة السلف في الإيمان بالصفات مع التنزيه هي التي تجمع بين العقل والنقل فيقول: "وإنما الطريقة المثلى في الجمع بين العقل والنقل في الصفات أن يقال: إنه قد ثبت بهما أن الله تعالى ليس كمثله شيء وثبت عقلاً أن خالق العالم لا بد أن يكون متصفاً بصفات الكمال، وثبت نقلاً عن الوحي الذي جاء به الرسل وصفه تعالى بالعلم والقدرة والرحمة والمحبة، والعلو فوق الخلق والاستواء على العرش وتدبير أمر العالم كله، فنحن نتخذ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٢ قاعدة ومرآة لفهم جميع ما وصف الله به تعالى نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه ليس كمثله شيء وأنه سميع بسمع ليس كمثل أسماع المخلوقين، ويبصر ببصر ليس كبصرهم، وعليم بعلم ليس كعلمهم، ورحيم برحمة ليست كرحمتهم، ويحب بمحبة ليست كمحبتهم، ومستوٍ على عرشه استواء ليس كاستواء ملوكهم على عروشهم، وتدبير أمورهم تدبيراً ليس كتدبير ملوكهم ورؤسائهم لما يدبرونه إلخ ... " ٣.

ومن ذلك يتبين لنا أن الشيخ رشيد يرى أن مذهب السلف ـ الذي يجمع بين الإثبات والتنزيه ـ قد دل عليه النقل والعقل كما أثبته ابن تيمية في درء التعارض وغيره. ولقد اتّهِم ابن تيمية ومدرسته بابتداع هذا المذهب ـ أعني مذهب إثبات الصفات ـ وأنهم لم يسبقوا إليه، وقد رد رشيد رضا على أحد الرافضة الذين رددوا هذه الدعوى بقوله: "وهذا كذب وافتراء وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى الرفض الذي من أصوله


١ تفسير المنار (١/ ٧٧)
٢ سورة الشورى، الآية (١١)
٣ مجلة المنار (٢٨/ ٢٧٠)

<<  <   >  >>