للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكلم كذلك، وهذه كانت بداية مقالتهم كما حكي عن الجعد بن درهم ١، فكل من قال القرآن مخلوق فحقيقة قوله أن الله لم يتكلم ولا يكلم ولا يأمر ولا ينهى، ولما رأوا ذلك مخالفاً للقرآن، وإجماع المسلمين قالوا إنه يتكلم مجازاً يخلق شيئاً يعبر عنه لا أنه في نفسه يتكلم، فلما شنع عليهم المسلمون قالوا: يتكلم حقيقة ولكن المتكلم هو من أحدث الكلام وفعله ولو في غيره، لا من قام به الكلام، وهو الذي استقر عليه قول المعتزلة. وهذه مغالطة كلامية، فإن المتكلم هو من قام به الكلام، وإليه ينسب لا إلى غيره ويشتق له اسم المتكلم ولا يسمى غيره بما قام به من الكلام متكلماً ٢.

ويلزم من قول المعتزلة: أن الله لم يكلم موسى وإنما كلمته الشجرة فقالت: يا موسى إني أنا الله رب العالمين ٣.

وأما الأشعرية فإنهم يتفقون مع المعتزلة في خلق القرآن، ويقولون: إن كلام الله واحد، لا تعدد فيه وله أقسام اعتبارية هي: الأمر من حيث تعلقه بفعل الصلاة مثلاً، ونهي من حيث تعلقه بطلب ترك الزنا، وخبر من حيث تعلقه بالأخبار، فالأقسام اعتبارية في متعلقه لا فيه. وأنه تعالى لم يزل متكلماً ولا يسكت، ليس بحرف ولا صوت ٤، ويلزم من ذلك أن معنى: أقيموا الصلاة هو معنى لا تقربوا الزنا، وأنه تعالى لم يزل متكلماً بلا سكوت يقول: يا موسى، يا موسى ... ٥.


١ سبقت ترجمته، وانظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: ١٠٨، ١١٨) ، وابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: ٨٧)
٢ انظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: ١٢٠) ، وابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: ٨٩) .
٣ انظر: الدارمي: الرد على المريسي (ص: ١٢٠ ـ ١٢١) ، وابن تيمية: درء التعارض (٢/ ٢٥٣)
٤ انظر: الشهرستاني: نهاية الإقدام (ص: ٢٩١ ـ ٢٩٢) ، والبيجوري: تحفة المريد (ص: ٨٥) ، وانظر: السجزي: الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: ١٣٧ ـ ١٣٨)
٥ انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: ١٨٧ وأيضاً ١٨٩ ـ ١٩٠) ط. التركي.

<<  <   >  >>