للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالم" والتي اتخذوها أصلاً فيإثبات "وجود الله تعالى" ١ وبناءً على ذلك نفوا صفات الفعل الاختيارية لله تعالى. لأنهم يقولون إنها سمة الحدوث ولا يجوز أن تحل الحوادث بذاته تعالى، لأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ٢. وسلكوا في هذه الصفات مسلكين:

الأول: أنها صفات أزلية قديمة مع الله تعالى لا تتعلق بمشيئة الله وإرادته، فلا يتجدد له فيها حال كما يشاء.

الثاني: جعل مقتضى الصفة مفعولاً منفصلاً عن الله لا يقوم بذاته، فالخلق ـ مثلاً ـ عندهم هو المخلوق فالله تعالى لم تحل بذاته حوادث لم تكن، وكذا الاستواء فإنهم يقولون فعل فعلاً في العرش سماه استواء من غير أن يستوي بذاته. فالفعل هو المفعول ٣.

ولما كانت آيات القرآن الكريم تثبت في صراحة ووضوح تجدد صفات الفعل لله تعالى وحدوث أفرادها شيئاً بعد شيء كقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} ٤ وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ٥ والمعدوم لا يرى موجوداً قبل وجوده فإذا وجد رآه موجوداً وسمع كلامه، وهذا يدل على حصول أمر وجودي لم يكن من قبل ٦ لذا فإن المتكلمين ـ مع قولهم بنفي تجدد هذه الصفات، وتسليماً منهم بما دل عليه القرآن، فروا وهربوا إلى تسمية هذا الحدوث والتجدد بأسماء أخرى، كالتعلق والإضافات والأحوال ٧.


١ انظر: (ص:٣٨٨) من هذا البحث.
٢ انظر: الباقلاني: التمهيد (ص: ٤١ ـ ٤٢) ، والبغدادي: أصول الدين (ص: ٥٩ـ ٦٠، ١٠٦)
٣ انظر: البيهقي: الاعتقاد (ص:٣٢) وانظر: الباقلاني: التمهيد (ص:٢٤٤ـ ٢٤٥) ،وانظر أيضاً ابن تيمية: شرح حديث النزول (ضمن مجموع الفتاوى:٥/٤١١ـ ٤١٢)
٤ سورة التوبة، الآية (١٠٥)
٥ سورة يونس: الآية (١٤)
٦ انظر: ابن تيمية: درء التعارض (٢/ ٢٤٠ ـ ٢٤١)
٧ انظر: البيجوري: تحفة المريد (ص:٧٦) وما بعدها، و (ص:٨١) وما بعدها، و (ص: ٩٢) وما بعدها.

<<  <   >  >>