للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ١ أي هو يحيط بهم علماً لأنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} ٢، وهم لا يحيطون به علماً لأن إحاطة المحاط به بالمحيط محال، وهو يستلزم إثبات أصل العلم به لا نفيه كآية نفي الإدراك بالأبصار، وكل منهما جار على قاعدة معروفة في اللغة؛ وهي أن نفي المقيد يقصد به إلى القيد، وإن نفى وصف خاص لمعنى عام يستلزم إثبات ذلك العام، كقولك: فلان لا يشبع ـ فإنه إثبات للأكل ونفي للشبع.." ٣.

وأما ما يستدل به النفاة من كلام السيدة عائشة رضي الله عنها، فيجيب عنه الشيخ بما يأتي: "وأحسن ما يجاب به عن استنباط عائشة وأقواه عن المثبتين، أن يقال: إنها تريد نفي الرؤية في الدنيا، كما قال بذلك الجمهور، ولا تقاس شؤون البشر في الآخرة على شؤونهم في الدنيا، لأن لذلك العالم سنناً ونواميس تخالف هذا العالم.." ٤.

ويلخص الشيخ رشيد رأيه في هذه المسألة فيقول: "خلاصة الخلاصة أن رؤية العباد لربهم في الآخرة حق وأنها أعلى وأكمل النعيم الروحاني الذي يرتقي إليه البشر في دار الكرامة والرضوان، وأنها أحق ما يصدق عليه قوله تعالى في كتابه المجيد: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ٥،.. وأن هذا وذلك مما يدل على مذهب السلف الذي عبر بعضهم عنه بأوجز عبارة اتفق عليها جميعهم، وهي: "رؤية بلا كيف" ... ٦".

وما ذهب إليه الشيخ رشيد في هذه المسألة أيضاً هو اعتقاد أهل السنة ـ رحمهم الله ـ ٧.


١ سورة طه: الآية (١١٠)
٢ سورة البروج: الآية (٢٠)
٣ تفسير المنار (٩/١٣٦)
٤ المصدر نفسه (٩/ ١٥٤)
٥ سورة السجدة: الآية (١٧)
٦ تفسير المنار (٩/ ١٧٧) وانظر: المجلة (١٩/٢٨٢) والوحي المحمدي (ص:١٨٣)
٧ كما أثبتها: الأشعري: الإبانة (ص: ٣٥) والباقلاني: التميهد (ص:٣٠١)

<<  <   >  >>