للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن الشرك في نفسه هو منتهى فساد الأرواح وسفاهة الأنفس وضلال العقول، فكل حق أو خير يقارنه لا يقوى على إضعاف شروره ومفاسده ... والمذنب قد يكون في إيمانه وسريرته خالصاً لله عبداً له وحده، فالعبد المملوك قد يعصي وقد يأبق فلا العصيان والإباق يخرجانه عن كونه عبداً لسيد واحد، ولسيده أن يعاقبه أو يعفو عنه، ولا يغفر له أن يجعل نفسه عبداً لغيره لا قناً ١ ولا مبعضاً ٢ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ٣ ... " ٤.

وهذه المفاسد والمساوئ وأكثر منها في الشرك، ومع ذلك، فإنه بعدما طمست آثاره، ومحيت آياته، بدعوة الأنبياء الصادقين، ودعاة التوحيد الصابرين، قد عاد وأطل برأسه من جديد، وها نحن نرى ـ وكما يقول الشيخ رشيد ـ: " ... الملايين منهم يدعون المسيح ويوجهون كل عبادتهم إليه وحده تارة، ويذكرون اسم الله مع اسمه تارة أخرى، وتجد الملايين من دونهم يدعون وينادون من دون المسيح من الأولياء، ويعمدون إلى قبورهم أو إلى الصور والتماثيل التي اتخذها قدماء المفتونين بهم تذكاراً لهم ... ومن الناس من يسمون أنفسهم موحدين، وهم يفعلون مثلما يفعل جميع المشركين، ولكنهم يفسدون في اللغة كما يفسدون في الدين، فلا يسمون أعمالهم هذه عبادة، وقد يسمونها توسلاً وشفاعة ... " ٥.

ومن هذا المعنى، نتحول إلى المسألة التالية وهي: مظاهر الشرك، التي تناولها الشيخ محمد رشيد في كتاباته


١ القن: العبد الذي لا يجوز بيعه ولا اشتراؤه. الجرجاني: التعريفات (ص: ١٥٧)
٢ المبعض:
٣ سورة الزمر، الآية (٢٩)
٤ تفسير المنار (٥/ ٤٢٠ ـ ٤٢١)
٥ المصدر نفسه (٥/ ٤٢١ ـ ٤٢٢)

<<  <   >  >>