للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتصالاً بها، وإنما جاءت هذه التفرقة من جهلهم بأن أكثر هذه الأصنام لم تنصب إلا للتذكير بأناس من الأولياء الصالحين كما رواه البخاري عن ابن عباس في أصنام قوم نوح التي انتقلت إلى العرب، وقد كانت اللات صخرة لرجل يلت عليها السويق ويطعمه الناس ١. فالأصنام والتماثيل والقبور التي تعظم تعظيماً دينياً لم يأذن به الله كلها سواء في كونها وضعت للتذكير بأناس عرفوا بالصلاح وكانوا هم المقصودين بالدعاء لما تخيلوا فيه من التأثير في إرادة الله، أو التصرف العيني في ملك الله، وهو أفحش الشرك بالله، على أنه لا فرق في المسألة بين إشراك الصنم والوثن، وإشراك الولي أو النبي أو الملك ... " ٢.

ويقول في هذا المعنى أيضاً ـ مؤكداً عليه ـ ومستدلاً بالكتاب العزيز على أن المشركين كانوا يرمزون بأصنامهم إلى أناس صالحين من الموتى. فيقول:

"إن بعض المشركين ـ بل الغالب في أفرادهم ـ يزعم أن جميع الآيات التي جاء فيها تقبيح الشرك وتوبيخ المشركين خاصة بالأصنام بمعنى الجماد، مع أننا لو تتبعنا هذه الآيات التي جاءت بشأن الشرك والمشركين لوجدناها مصرحة بأن المشركين فريقان، فريق يدعو الأصنام المجعولة تماثيل لعباد الله المقربين، وفريق يدعو المقربين غير ناظر إلى التماثيل، فما جاء في تسفيه الفريق الأول قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ٣ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} ٤، وما جاء في التشنيع على الفريق الثاني، قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا


١ انظر: البخاري: الصحيح، ك: التفسير، باب: أفرأيتم اللات والعزى، ح: ٤٨٥٩ (٨/ ٤٧٨)
٢ تفسير المنار (٩/ ٥٢٦ ـ ٥٢٧)
٣ سورة الصافات، الآية (٩٥)
٤ سورة الأنبياء، الآية (٥٢)

<<  <   >  >>