للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الإرادة الجزئية هي من قبيل الحال المتوسط بين الموجود والمعدوم ١. وقد أقر متأخرو الماتريدية بأن مذهبهم هو مذهب المعتزلة الذي ما زال يعيش تحت اسم "الماتريدية" ٢.

وقبل أن أنهي هذا التمهيد أحب أن أشير مرة أخرى لمذهب أهل السنة وهو: أن الله تعالى خالق كل شيء وربه ومليكه، م ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد مأمور بطاعة الله منهي عن معصيته، وكل ذلك بقدر الله تعالى، ولا حجة لأحد على الله تعالى ٣.

وأهل السنة يأخذون كل دليل صحيح من الفريقين ـ القدرية والجبرية ـ فالحق الذي مع الجبرية هو كل دليل صحيح يدل على قدرة الرب ومشيئته، وكل دليل صحيح مع المعتزلة فإنما يدل على أن أفعال العباد فعل لهم قائم بهم واقع بقدرتهم. وإحداث الله تعالى لأفعال العباد بمعنى أنه خلقها منفصلة عنه قائمة بالعبد، وإحداث العبد لها بمعنى أنه حدث منه هذا الفعل القائم به بالقدر والمشيئة التي خلقها اله فيه، فجهة الإضافة مختلفة ٤. وبهذا يزول الإشكال: فإنه يقال: الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلاً له ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له، إذا كان قد جعلها صفة لغيره كما أنه سبحانه لا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان ٥.

ويبقى الآن أن أبين منهج رشيد رضا في هذا الباب. لقد تحدث رشيد رضا عن القدر كثيراً، ولكنه كان حديثاً متناثراً، فحاولت أن أجمعه وأرتبه، ليجتمع لي قدراً كافياً منه، أستطيع من خلاله تصور موقفه من القدر.


١ المصدر نفسه (ص: ٥٧)
٢ صرح بهذا: زاهد الكوثري، وهو ماتريدي. انظر: مصطفى جبري: موقف العقل (٣/ ٣٩٢)
٣ انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ٦٣ ـ ٦٤) بتصرف.
٤ انظر: ابن تيمية: منهاج السنة (٣/ ٢٤٠ـ ٢٤١)
٥ انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ١٢٣)

<<  <   >  >>