للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ) ـ مذهب الأشعرية:

والحق أن مذهب الأشعرية في القدر ليس واحداً، وقد تطور المذهب من الأشعري ومروراً بالباقلاني إلى الجويني، والذي استقر عليه مذهبهم ـ بعد إثبات علم الله تعالى وكتابته، وقدرته وإرادته وخلقه ١، أن العباد لهم قدرة وإرادة في الفعل، لكنها غير مؤثرة فيه، بل الله تبارك وتعالى هو الخالق لها وقدرته هي المؤثرة وحدها ٢. وإذا كانت قدرة الإنسان ليس لها تأثير بحال، فهي قدرة غير مؤثرة، فحقيقة مذهب الأشعرية هو الجبر إذ أن القدرة غير المؤثرة كلا قدرة، ويسمي الأشعرية مذهبهم هذا بمذهب الجبر التوسط، أي الجبر بواسطة الاختيار ٣.

ب) ـ مذهب الماتريدية:

وكما حاول الأشعرية التوسط بين المعتزلة والجبرية، إلا أن القدر لم يساعدهم فحالوا إلى الجبر، فقد حاول كذلك الماتريدية التوسط، إلا أنهم مالوا إلى المعتزلة. فبالرغم من إقرار الماتريدية بعلم الله تعالى وإرادته وخلقه لأفعال العباد ٤، إلا أنهم قالوا بوجود إرادة جزئية للعبد يوجه بها فعله المترجح بالإرادة الكلية، نحو جانب معين. وهذا هو نقطة الفرق بينهم وبين الأشعرية، فالإرادة عند الماتريدية تنقسم إلى إرادة كلية هي مخلوقة لله تعالى، وهي اسم لصفة الإرادة التي من شأنها ترجيح أحد المقدورين على الآخر، وإلى إرادة جزئية غير مخلوقة لله، وهي ـ كما فسروها ـ تعلق تلك الصفة ـ الإرادة الكلية ـ بجانب معين، فالجزئية تأتيها من تعينها بتعين متعلقها ٥،


١ انظر: الباقلاني: التمهيد (ص: ٣١٧) ، والبغدادي: أصول الدين (ص: ١٣٤) ، والشهرستاني: الملل ولانحل (ص: ٨٤ ـ ٨٥)
٢ انظر: الباقلاني: المصدر السابق (ص: ٣٤٧) ، والبغدادي: المصدر السابق (ص: ١٣٣ ـ ١٣٤) ، والبيجوري: تحفة المريد (ص: ١٢٢ ـ ١٢٣)
٣ انظر: مصطفى صبري: موقف البشر (ص: ٥٠ و ٥٦) ، وحاشية الدواني على العقائد العضدية (١/ ٢٦٢) وما بعدها، ت: سليمان دنيا.
٤ انظر: اللامي: التمهيد لقواعد التوحيد (ص: ٩٧)
٥ انظر: مصطفى جبري: موقف البشر (ص: ٥٦ ـ ٥٧)

<<  <   >  >>