للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك فإن هذه المسألة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم بل وجدت هذه المسألة في الأديان القديمة والفلسفات السابقة على الأديان، فالسؤال عن القدر وارد على جميع أهل الملل والفلسفة لأنه مسألة قديمة منذ خلق الإنسان، لذلك فإن رشيد رضا يرد على من يعد القدر شبهة على دين الإسلام، فإنه ليس كذلك، ولو كان كذلك لكان شبهة على كل ذين وكل فلسفة ١. ولا ريب أن الحل الإسلامي لمسألة القدر وبيان القرآن له لا يدع للملحد قولاً.

وبين رشيد رضا نشأة الكلام في القدر عند المسلمين، وأشار إلى بدعة القدرية الأولى التي نفت علم الله تعالى، وزعمت أن الأمر أنف أي: "أن الله تعالى يستأنف ويبتدئ ما يريد إيجاده، كل شيء في وقته" ٢. كما كان من مذهبهم "أن الإنسان إذا فعل شيئاً فإنما يفعله أنفاً أيضاً من غير أن يكون لله تعالى علم سابق بذلك ... فالإنسان مستقل بذلك تمام الاستقلال" ٣.

وأشار رشيد رضا إلى أن هذه البدعة قد حدثت في عصر الصحابة وأن أول من تلقاها هو "معبد الجهني" ٤ وأنه أخذ هذه المقالة عن رجل مجوسي اسمه "سيسويه" ٥ وذكر رشيد رضا أن السلف كفر هذه الفرقة ٦.

ثم إن المتأخرين من القدرية ـ وهم المعتزلة ـ أقروا بالعلم ـ كما يقول ـ: "إن المتأخرين منهم اعترفوا بأن لله تعالى علماً أزلياً بالأشياء ولكنهم أنكروا أن يكون له إرادة تتعلق بأفعال العباد مع أن معنى الإرادة هو وقوع الفعل من العالم على حسب علمه" ٧ ويعني بذلك أنهم متناقضون في إثباتهم العلم وإنكارهم للإرادة.


١ انظر: مجلة المنار (١٢/ ١٩٧ ـ ١٩٨)
٢ المصدر نفسه (١٢/ ١٩٦)
٣ المصدر نفسه.
٤ هو: معبد بن عبد الله الجهني ـ نزيل البصرة، وأول من تكلم بالقدر زمن الصحابة، في عداد التابعين، وكان من علماء الوقت على بدعته. الذهبي: السير (١٤/ ١٨٥)
٥ مجلة المنار (١٢/ ١٩٦) وقارن مع: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (٣/ ٥٩١)
٦ مجلة المنار (١٢/ ١٩٦) ، وقارن مع: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (٤/ ٧٠٧ ـ٧١٥)
٧ مجلة المنار (١٢/ ١٩٦)

<<  <   >  >>