للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يتحدث عن الجبرية – بعد ما أشار إلى مذهب القدرية – فيقول: "غلا أولئك فوقفوا في طرف وعبدوا الله على حرف فجاء بعدهم آخرون وقفوا على الطرف المقابل لطرفهم, وهم الجبرية, فقالوا: إن الإنسان ليس له عمل ولا قدرة, وإنما هو كالريشة المعلقة في الهواء تحركها رياح الأقدار, من غير أن يكون لها إرادة ولا اختيار ... "١. وأما الحجة التي احتجت بها القدرية, فهي العلم الثابت في الكتاب, ولكن رشيد رضا يجيب على هذه الشبهة بقوله: "إن تعلق العلم أو الإرادة بأن فلانا يفعل كذا, لا ينافي بأنه يفعله باختياره, إلا إذا تعلق العلم بأنه يفعله مضطرا كحركة المرتعش ... وبهذا صح التكليف, ولم يكن التشريع عبثاً, وتبين من هذا أن الجبرية ومن تلا تلوهم ولم يسم باسمهم, قد غفلوا عن معنى الاختيار ... "٢.

ولأن مذهب الجبر أسوأ أثر من مذهب القدرية, فإن رشيد رضا يخصه بمزيد من عنايته, فيقول مبينا لأثره السيئ في الأمة: " ... كان بين المسلمين طائفة تسمى الجبرية ذهبت إلى أن الإنسان مضطر في جميع أفعاله اضطرارا لا يشوبه اختيار ... ومذهب هذه الطائفة يعده المسلمون من منازع الفلسفة الفاسدة ... "٣ , ويقول: "أولئك هم الجبرية الذين نزعوا من الأمة روح النشاط والعمل ورموها في هاوية الخمول والكسل, حتى داستهم بقية الأمم وكادت تبلعها بلاليع العدم ... "٤. ومن الأبيات التي ينشدها الجبرية لأنها تصور مذهبهم قول بعضهم:

ما حيلة العبد والأقدار جارية ... عليه في كل حين أيها الرائي

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ... إياك إياك أن تبتل الماء

ويرد رشيد رضا على هذا البيت قائلا: "هذا القائل يخاطب الرائي وهو لا يرى, فإنه اكتفى بما في خياله عما تحت نظره إذ يرى العبد يحتال


١ المصدر نفسه.
٢ المصدر نفسه (٣/٥١٠) .
٣ مجلة المنار (٣/٢٦٩) .
٤ المصدر نفسه (٣/٤٩٤) .

<<  <   >  >>