للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو لا يسأل ما حيلته, والأقدار هي التي جعلته يحتال ويعمل كما هو مشاهد. ومنه أن بعض الناس ألقوا أنفسهم في اليم ومنهم من لم يلقها, ولو كانت الأقدار حكمت على كل إنسان يلقى في اليم مكتوفا لكانوا كلهم سواء وما هم بسواء ... "١.

والذين تمذهبوا بمذهب الجبر وتبرأوا من اسمه هم الأشعرية, وقد اتخذ رشيد رضا موقفا معارضا لما ذهبوا إليه, وحمل على مذهبهم وبين فساده, فبعد أن يورد مذهب السلف الصالح نقلا عن مصادرهم, يقول مخاطبا قراءه: "أوردنا هذا الكلام هنا للذين لا يعرفون من كتب العقائد إلا كتب متأخري الأشعرية القائلة بأن لا تأثير للأسباب في مسبباتها ولا لقدرة الإنسان في عمله, وأن الله يخلق السبب عند المسبب, وأن العبد كاسب لعمله في الظاهر مجبور عليه في الحقيقة ... "٢.

ويرد مذهب الجبرية أيضا في قولهم أن الأفعال هي خلق لله تعالى وأنها تنسب للإنسان لأنه محلها فقط, فيقول: "إن أفعاله تسند إليه ويوصف بها لأنها تقوم به وتصدر عنه, لا لأنه محلها ... "٣.

ويرشد رشيد رضا قراءه بأن لا يلتفتوا لهذا الجدال والفلسفة التي تقع بين المعتزلة والأشعرية٤ ويعد هذا الجدال من سوء الأدب مع الله تعالى. ويرى أن هذه الطريقة وتلك الفلسفات هي التي أفسدت عقيدة العامة من المسلمين المتأخرين, الذين اختلط عليهم الأمر, فترى في كلامهم ما يدل تارة على القدر وتارة على الجبر لاضطراب عقائدهم بسبب هذه الفلسفات, وأنهم أصبحوا في المسائل المتعلقة بإقامة الدين جبرية, وفي المسائل المتعلقة بالدنيا قدرية٥.


١ المصدر نفسه (٨/٢٣-٢٤) .
٢ مجلة المنار (٩/١١٠) .
٣ تفسير المنار (٨/٢٨٦) .
٤ المصدر نفسه (٣/٢٣٠ و٨/٥٠) .
٥ مجلة المنار (١٢/١٩٧) .

<<  <   >  >>