للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: أن الله خالق كل شيء، وثانيهما: أن هذا النوع من المخلوقات الذي يسمى الإنسان يعمل أعماله بقصد واختيار ولكنه غير تام القدرة ولا الإرادة ولا العلم ... " ١.

وهذا هو الصحيح فإن إرادة الإنسان ومشيئته تابعة لإرادة الله تعالى ومشيئته {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٢.

ولكن كيف يجمع رشيد رضا بين الحقيقتين اللتين كانت سبب الخلاف بين المعتزلة والأشعرية، ورجح كل فريق منهم جانباً منها ـ كمت أشرت في التمهيد لهذا الفصل ـ؟ يقول رشيد رضا جواباً على هذا السؤال: "وجملة القول أن الله تعالى خالق كل شيء وأنه يخلق بقدر ونظام وحكمة وسنن، لا أنفاً ولا جزافاً ولا عبثاً وأنه حكيم في خلقه وأمره ... وأنه خلق الإنسان قادراً مريداً فاعلاً بالاختيار ... وأن أفعاله تستند إليه ويوصف بها لأنها تقوم به وتصدر عنه باختياره، لا لأنه محلها، وتنسب إلى مشيئة الله من حيث انه هو الخالق له بهذه الصفات، والمعطي له هذا التصرف والاختيار ... " ٣. ويقول: "ومعنى خلقه تعالى للأشياء بقدر وتقديره لكل شيء: أنه خلقها بنظام جعل فيها الأسباب على قدر المسببات عن علم وحكمة ولم يخلق شيئاً جزافاً ولا أنفاً كما يزعم منكرو القدر ... " ٤. والحق أن الشيخ رشيد قد تعثر في هذا الموطن الصعب. إن المعتزلة لم ينكروا الأسباب ولم ينكروا أن القدرة التي يقوم بها الإنسان بأعماله هي من الله تعالى، إنهم يرون أن الإنسان يعمل بقدرة من الله سبحانه ٥، ولكن الخلاف في خلق الله تعالى لأفعال العباد الاختيارية على الحقيقة مع أنها واقعة منهم بالبداهة: وأهل السنة يقولون: "إن كل ما في الوجود مخلوق له تعالى، خلقه بمشيئته وقدرته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي


١ تفسير المنار (٤/ ١٩٥)
٢ سورة التكوير، الآية (٢٩)
٣ تفسير المنار (٨/ ٥٦)
٤ المصدر نفسه (٨/ ٢٨٦)
٥ انظر: زهدي حسن: المعتزلة (ص: ٩٢ ـ ٩٥)

<<  <   >  >>