للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويفقر ويغني، ويضل ويهدي، ويسعد ويشقي، ويشر صدر من يشاء للإسلام، ويجعل صدر من يشاء ضيقاً حرجاً ١، قال تعالى: { ... وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ٢ فقد جعل الأصنام منحوتة معمولة لهم وأخبر أنه خالقهم وخالق معمولهم، فإن "ما" ههنا بمعنى الذي، والمراد: خلق ما تعملونه من الأصنام، وإذا كان خالقاً للمعمول وفيه أثر الفعل، دل على أنه خالق لأفعال العباد ٣.

ومن ناحية أخرى، فإن المعتزلة سلموا أن الله تعالى قد يخلق في العبد كفراً وفسوقاً على سبيل الجزاء، كما في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ٤، وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} ٥، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ٦، ثم من المعلوم أن هذه المخلوقات تكون فعلاً للعبد وكسباً له يجزى عليها ويستحق الذم عليها والعقاب، وهي مخلوقة لله تعالى، فالقول عند أهل الإثبات فيما يخلقه ابتداءً كالقول فيما يخلقه جزاءً من هذا الوجه ٧.

فإن قيل هذا قول من يقول: هي فعل للرب وفعل للعبد. قيل: إنها مفعولة للرب لا فعل له، إذا فعله ما قام به، والفعل عند أهل السنة غير المفعول، فهي مفعولة للرب وهي فعل للعبد، كما يقولون في قدرة العبد: إنها قدرة للعبد مقدورة للرب، لا أنها نفس قدرة الرب. وفي إرادة العبد هي إرادة العبد مرادة للرب ٨.


١ ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ٧٨)
٢ سورة الصافات، الآية (٩٦)
٣ ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ١٧)
٤ سورة الأنعام، الآية (١١٠)
٥ سورة البقرة، الآية (١٠)
٦ سورة الصف، الآية (٥)
٧ ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ١٢٤)
٨ انظر: ابن تيمية: منهاج السنة (٣/ ٢٤٠) وما بعدهان وابن القيم: الشفاء (ص: ٩٢ ـ ٩٣)

<<  <   >  >>