للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسعيه في ذلك ... " ١. "نعم إذا أراد الله إسعاد أمة جعل ملكها قوياً لما فيها من الاستعداد للخير حتى يغلب خيرها على شرها فتكون سعيدة، وإذا أراد الله إهلاك أمة جعل ملكها مقوياً لدواعي الشر فيها حتى يغلب شرها على خيرها، فتكون شقية وذليلة، فتعدو عليها أمة قوية، فلا تزال تنقصها من أطرافها، وتفتات عليها في أمورها، أو تناجزها الحرب، حتى تزيل سلطانها من الأرض، يريد الله تعالى ذلك فيكون بمقتضى سننه في نظام الاجتماع، فهو يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء بعدل وحكمة، لا بظلم وعبث ... " ٢.

ولدينا في هذا المثال آية واضحة في كتاب الله، تؤيد ما ذهب إليه الشيخ رشيد، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} ٣.

وما هذا إلا مثال فقط على تعلق مشيئة الله تعالى بالأسباب، وإلا فإن كل قدر إلهي ومشيئة؛ تنفذ بالأسباب التي يخلقها الله تعالى.

فكتب الله الجنة لأهل الجنة بالأسباب، بأ يسرهم لعمل أهل الجنة فيكونوا من أهلها، وكتب النار على أهل النار فيعملون بعمل أهل النار فيكونوا منهم.

والله تعالى هو الخالق للأسباب، وهو الذي يوفق لها، لمن كتب له الخير فيوفقه لأسباب الخير، وهكذا كل قدر قدره الله يكون بقدر الله وعلى أساس مبدأ السببية، فيرفع العلم بقبض العلماء ٤، وقبض العلماء سبب طبيعي لقبض العلم، ويهلك الأمم بخلق أسباب الهلاك لها، ويسعدها بخلق أسباب السعادة لها، كما مثل الشيخ رشيد، ويعز من يشاء بأسباب العز، ويذل بأسباب الذل.


١ تفسير المنار (٣/ ٤٧٨)
٢ المصدر نفسه (٣/ ٤٧٩)
٣ سورة الإسراء، الآية (١٦)
٤ انظر: البخاري: الصحيح، ك: العلم، باب: كيف يقبض العلم، ح: ١٠٠.

<<  <   >  >>