للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَرَوْنَهُمْ} ١، والصواب في معنى هذه الآية هو ما قاله شيخ الإسلام لما سئل عنها: " الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس، وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها، وليس فيه أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال، بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضاً لكن لا يرونهم في كل حال" ٢.

وهذا هو الصواب فليس في الآية ما يدل على عدم رؤيتهم أبداً، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه، وليس فيها أنا لا نراه أبداً، فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقاً ٣.

وأما السنة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم وخاطبهم، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان ابن عباس يجزم بعدم رؤيتهم إلا أن ابن مسعود مثبت فهو مقدم، وابن عباس رضي الله عنه لم يعلم ما علمه ابن مسعود ٤.

وقد بدا رشيد رضا متشدداً في مسائل الجن ـ بعد إثبات وجودهم ـ كما يظهر في هذه المسألة، والمسألة التي تليها، وسبب ذلك ما عرفنا عند تصوير الحالة الدينية يومئذ، والتي كان من أبرز سماتها انتشار البدع والخرافات ومنها عبادة الجن.

ورد سؤال لرشيد رضا عن دعوى بعضهم أن بعض الجن كان يدرس في الأزهر ويحضر الدروس ويلقي الأسئلة على بعض العلماء على مسمع ومرأى من الناس، فأجاب: "إن الجن من العوالم الغيبية، واسمهم يدل على


١ سورة الأعراف، الآية (٢٧)
٢ مجموع الفتاوى (١٥/ ٢٦)
٣ انظر: صديق حسن خان: فتح البيان في مقاصد القرآن (٣/ ٣٠٥)
٤ انظر: رأي ابن مسعود: البخاري: الصحيح، ك: المناقب، باب: ذكر الجن، ح: ٣٨٥٩، ومسلم: الصحيح، ك: الصلاة، ح: ١٥٠ (٤٥٠) ورأي ابن عباس: مسلم: الصحيح، ك: الصلاة، ح: = = ١٤٩ (٤٤٩) ، البخاري: الصحيح، ك: التفسير، باب: سورة قل أوحي إلي، ح: ٤٩٢١، وانظر: فتح الباري (٨/ ٥٤٣) ، ومجمع الزوائد (٧/ ١٠٦) ، وابن تيمية: مجموع الفتاوى (١٩/ ٣٧ ـ ٣٨) ، وانظر أيضاً: ابن كثير في التفسير (٤/ ١٦٦) وما بعدها.

<<  <   >  >>