للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف الشيخ محمد عبده من "حدوث العالم":

ومما يوضح اتجاه الشيخ محمد عبده معرفة موقفه من مسألة "حدوث العالم" التي خالف فيها الفلاسفةُ جميع أهل الملل، فنستطيع بوقوفنا على رأيه أن نعرف مع من يقف.

لقد اتهم "محمد عبده" بالقول بقدم العالم، ولكن ردّ رشيد رضا هذه التهمة رداً شديداً ١، وقد ادعى أحد أصدقائه من فلاسفة أوروبا أنه صرح له بهذا الرأي ٢، وإنني لا أستبعد ذلك، بل أقول: إن الشيخ "محمد عبده" كان متأثراً بالفلسفة القديمة التي أخذها من الأفغاني، وبالفلسفة الحديثة التي أخذها من حياته في أوروبا، ومن إتقانه للغة الفرنسية لغة الفلاسفة المحدثين ٣. ولدي أدلة على ذلك ٤:

الأول: أن الشيخ محمد عبده حضر دروس الإشارات لابن سينا وشرحه له شيخه الأفغاني ٥. فلا يبعد أن يقع في قلبه مذهب ابن سينا، المتبع لأرسطو في هذه المسألة.

الثاني: دفاعه عن الفلاسفة، وشرحه لمذاهبهم بما يدل علىمعرفته التامة بها، وإيمانه بمبادئها.

فقد ردّ على أحد النصارى رداً طويلاً لأنه تناول ابن رشد بالنقد في مجلته ٦.

الثالث: قوله بعدم تكفير الفلاسفة ـ ولو بناء على قولهم بقدم العالم ـ "محتجاً بأنه اجتهاد واقع مواقع القبول عند الله تعالى" ٧.


١ انظر: مجلة المنار (٣٢/ ٥٨٨) .
٢ المصدر نفسه
٣ انظر: مجلة المنار (١/ ٨٤٦) وانظر: تفسير المنار (٧/ ٢٣٧) .
٤ ويجوز أن يكون رجع عن ذلك كما يحاول رشيد رضا أن يقنعنا، كما سيأتي قريباً.
٥ انظر: مجلة المنار (١/ ٧١٦ـ ٧٢١)
٦ مجلة المنار: (٥/ ٣٦١ـ ٣٨٠) .
٧ محمد عبده: حاشية على شرح الدواني (١/ ١٨١) .

<<  <   >  >>