للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلف في معنى الهم في الآية، فقيل هو: الهم منها بالفاحشة ١، وقيل المراد به منه: حديث النفس ٢، كقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: "إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ... وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ... " ٣.

ولكن الشيخ رشيد يذهب في ذلك مذهباً خاصاً، فإنه يرى أن الهم بالفاحشة لم يقع منها ولا منه ـ عليه السلام ـ وإنما الذي وقع منها هو المراودة، فلما امتنع وكان ذلك إهانة لها وكسراً لطبيعة الأنثى التي فطرت على أن تكون مُرَاوَدة لا مراوِدة، من عبدها العبراني، وعدّت هذا احتقاراً منه، أرادت الانتقام منه بالاعتداء عليه والبطش به في ثورة غضبها وهو انتقام معهود من مثلها ومن دونها في كل زمان ومكان، والهم منه كان هماً بدفع اعتدائها عليه، والبرهان الذي رآه يوسف ـ كما يرى رشيد رضا ـ هو آية رآها يوسف في نفسه، وهي إما النبوة التي آتاه الله إياها بعد الحكم، أو مقدمات هذه النبوة من مقام الصديقية العليا وهي: مراقبته لله تعالى، ورؤية ربه متجلياً له ناظراً إليه، فهذا هو البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام ٤، ويرفض رشيد رضا كل ما روي في معنى الهم منها ومنه، ويعده من الإسرائيليات التي انخدع بها كثير من الناس ٥، كما يرفض الروايات في البرهان الذي رآه يوسف ٦.

ومهما يكن من شيء في معنى الهم فإن يوسف عليه السلام كان


١ انظر: ابن جرير: التفسير (١٦/ ٣٥ ـ ٣٧)
٢ انظر: ابن كثير: التفسير (٢/ ٤٥٦) ، والرازي: عصمة الأنبياء (ص: ٧٦) ، وانظر أيضاً: الطبري: التفسير (١٦/ ٣٤)
٣ رواه مسلم: الصحيح، ك: الإيمان، ح: ٢٠٣ (١٢٨) و٢٠٤ و٢٠٥ (١٢٩) [١/ ١١٧]
٤ تفسير المنار (١٢/ ٢٧٥ ـ ٢٧٦) وقريب منه أيضاً رأي عند الطبري: انظر: التفسير (١٦/ ٣٨)
٥ المصدر نفسه (١٢/ ٢٨٠)
٦ المصدر نفسه (١٢/ ٢٧٩) وانظر: الآراء في هذا البرهان: الطبري: التفسير (١٦/ ٣٩ ـ ٤٣)

<<  <   >  >>