للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي هي خرق للعادة والسنن الكونية، ولكن ما القول في معجزات الأنبياء، وهو يثبتها، وقد وقعت مخالفة لهذه السنن كما رأينا؟ وليس لأحد أن يفرق بين المعجزة والكرامة في أصل التبديل والتحويل لما هو معتاد في نظام الكون.

والحق أن الشيخ رشيد لا ينكر كرامات الأولياء إلا أنه يريد أن يضيق الباب أو يغلقه في وجه الدجالين والمشعوذين، كما أنه يريد أيضاً ـ وهو ما صرح به ـ رد حجة أهل الكتاب الذين لا يحتجون على صحة دينهم إلا بالعجائب ـ خوارق العادات ـ وليس لهم برهان على عقائدهم، ولا سند متواتر على صحة كتابهم، بل ويحتجون على المسلمين بأن القرآن لم يثبت لنبينا صلى الله عليه وسلم العجائب والخوارق، فهو إذن ليس نبياً، ولا يرون العلم الإلهي والشرائع الدينية والمدنية وتكوين الأمم وسياستها من رجل أمي تربى يتيماً في جاهلية جهلاء وأمه أمية، لا يرون هذا كله تأييداً إلهياً وبرهاناً على صدقه قطعياً، وإنما البرهان عندهم هو تلك الحكايات التي ينقلونها في عجائب مقدسيهم وينقل الوثنيون عن كهنتهم أعظم منها ١.

وأما مسألة السنن ومخالفتها: فيفسر الشيخ رشيد ذلك بأن مراده السنن العامة لأن مخالفة آيات الأنبياء وكرامات الأولياء للسنن المادية مشاهد ومنقول بنص الكتاب العزيزـ هكذا يقول الشيخ رشيد ٢ إلا أنه لم يقل لنا ماذا يقصد بالسنن العامة والسنن الأخرى الخاصة.

لقد اتخذ الشيخ رشيد موقفاً متشدداً من الكرامات لهذين السببين اللذين ذكرهما، أما معجزات الأنبياء، فكانت عنده مصونة من كل خطر، لا يتطرق إليها الشك ٣ وأما هذا الموقف المتشدد من الكرامات فقد اتخذه ـ أيضاً ـ لما أوقع فيه مما يسميه: "ضرر الاعتقاد بها" وأكبر ذلك: أنها صارت صناعة من الصناعات وزلزلت قاعدة العقائد الكبرى وهي توحيد الله


١ مجلة المنار (١١/ ٩١٣ ـ ٩١٧)
٢ المصدر نفسه (١١/ ٩١٧)
٣ انظر: مجلة المنار (٦/ ١٢ و١١/ ٩١٤)

<<  <   >  >>