للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنفس الزكية والأرواح العالية، يكونون أكمل أرواحاً وأجساداً مما كانوا بتزكية أنفسهم في الدنيا.. ولو كان البعث للأرواح وحدها لنقص من ملكوت الله تعالى هذا النوع الكريم المكرم من الخلق المؤلف من روح وجسد، فهو يدرك اللذات الروحية والجسمية، ويتحقق بحِكَم الله (جمع حكمة) وأسرار صنعه فيها معاً، من حيث حرم النبات والحيوان من الأولى، والملائكة من الثانية ... " ١.

ولكن الشيخ رشيد ـ مع قوله بحشر الروح والجسد جميعاً ـ يرى أن الجسد المبعوث لا يجب أن يكون هو الذي كانت الأعمال التكليفية به، فيقول: "ليس للكفار شبهة قوية على أصل البعث ... ولكن للمتقدمين والمتأخرين شبهة على حشر الأجساد ترد على ظاهر قول جمهور المسلمين: أن كل أحد يحشر بجسده الذي كان عليه في الدنيا أو عند الموت لكي يقع الجزاء بعده على البدن الذي اقترف الأعمال. وتقرير هذا الإيراد أن هذه الأجساد مركبة من العناصر المؤلفة منها مادة الكون كله وهي مشتركة يعرض لها التحليل والتركيب فتدخل الطائفة منها في عدة أبدان على التعاقب فمن الإنسان والحيوان ما تأكله الحيتان أو الوحوش ومنها ما يحرق فيذهب بعض أجزائه في الهواء ... وينحل ما يدفن في الأرض فيها ثم يتغذى بكل منهما النبات الذي يأكله بعض الناس والأنعام فيكون جزءاً من أجسادهم، ويأكل الناس من لحوم الحيتان والأنعام التي تغذت من أجساد الناس بالذات أو بالواسطة، فلا يخلص لشخص معين جسد خاص به ... " ٢. وبعد أو أورد الشيخ رشيد هذه الشبهة ذكر ما أجاب به عنها بعض العلماء بأن للجسد أجزاء أصلية وأجزاء فضلية والذي يعاد بعينه هو الأصلي دون الفضلي. ولكن الشيخ رشيد لم يرض بهذا الجواب لأنه لا يدفع الشبهة ٣. والذي اختاره هو: "أن التزام القول بوجوب حشر الأجساد التي كانت لكل حي بأعيانها لأجل وقوع الجزاء عليها غير لازم لتحقيق العدل، فجميع قضاة العالم


١ الوحي المحمدي (ص: ١٧٩)
٢ تفسير المنار (٨/ ٤٧٢)
٣ المصدر نفسه (٨/ ٤٧٣ و٧٤٦)

<<  <   >  >>