للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكمة من تقديم الأشراط ـ ليس صحيحاً على إطلاقه هذا، فإن من الناس من يوفقه الله تعالى للاعتبار، فإذا رأى من أشراط الساعة شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تنبه من غفلته وقام من رقدته، وأصلح من شأنه، لا يألو جهداً في التوبة ولا يتوانى في الحوبة، كالمريض إذا ظهر له قرب أجله فإنه يسارع في الإحسان، وينظر لنفسه وورثته وأصحاب الحقوق عنده، وينقطع عن الدنيا إلى الآخرة. ومنهم من طبع الله على قلبه وتمكنت منه الغفلة فهو على حد قوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ١.

وأما الأشراط الكبرى وخوف الشيخ رشيد أن تتعارض مع ما تقرر من عدم علم أحد بالساعة إلا الله تعالى، ومن أن العالم بهذه الأشراط يكون في مأمن من الساعة، فالجواب عنه أيضاً من وجوه:

أحدها: أن يقال فيه ما قيل فيما قد سبق من صنفي الناس، فمنهم حي القلب، العالم الذي ينفعه ذلك، ومنهم دون ذلك.

الثاني: أن الله تعالى ورسوله قد أخبرا مع وجود الأشراط وظهور العلامات أن الساعة لا تكون إلا بغتة، كما قال تعالى: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} ٢، فالعلم بأشراطها لا يورث العلم بوقوعها، ومع أن السنة قد بينت أن الساعة تكون في آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا تكون في يوم آخر ولا ساعة أخرى، إلا أنها كذلك قد بينت أنها لا تكون إلا فجأة. ومما يؤيد هذا الوجه اختلاف أهل العلم في بعض الأشراط والعلامات هل وقعت أم لا، كاختلافهم في الدخان ٣، والمهدي هل هو عمر بن عبد العزيز أم


١ سورة هود، الآية (٣٤)
٢ سورة الأعراف، الآية (١٨٧)
٣ انظر: أبا عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، ت: رضاء الله المباركفوري (٥/ ٩٩٥ ـ ١٠٠٢) مع التعليق. وأيضاً: (٥/ ١٠٠٣ ـ ١٠٠٩) مع تعليق المحقق، وانظر: عمر سليمان الأشقر: اليوم الآخر: القيامة الصغرى (ص: ٢٢١) وما بعدها، دار النفائس، السادسة ١٤١٥هـ.

<<  <   >  >>