للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يدل على صحة هذا الرأي حديث الجساسة الشهير، فعن فاطمة بنت قيس ١ ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت ـ وذكرت قصة تأيمها من زوجها ـ: "فلما انقضت عدتي، سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان، ثم قال: أتدرون لماذا جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجّال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب ٢ السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة، أهلب كثيرة الشعر، لا يدرون ما قُبُله من دُبُرِه من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقال: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ٣ فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خَلْقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم ٤، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قُبُله من


١ هي: إحدى المهاجرات ـ رضي الله تعالى عنها ـ وأخت الضحاك بن قيس، زوجها النبي (من زيد، وتوفيت في خلافة معاوية. السير (٢١/ ٣١٩)
٢ أقرب: بضم الراء: سفن صغار تكون مع السفن الكبار، واحدها قارب، والجمع: قوارب وأقرب. النهاية (٤/ ٣٥) ، والنووي: شرح مسلم (١٨/ ٨١)
٣ الدير: بيت يتعبد فيه الرهبان. الحموي: معجم البلدان (٢/ ٤٩٥)
٤ اغتلم: هاج واضطرمت أمواجه. النهاية (٣/ ٣٨٢)

<<  <   >  >>