للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزادوا – فيما يتعلق بحقوق العباد – شرطا رابعا وهو أن يؤدي ذلك الحق إلى صاحبه، أو يتحلله منه١.

فتبيّن بذلك أن حقوقه سبحانه قد بناها على المسامحة بحيث لا يلزم للتوبة من التفريط فيها ما يلزم في حقوق العباد.

عمل الفقهاء بالقاعدة:

اتفقت آراء الفقهاء على القول بهذه القاعدة والعمل بمقتضاها من حيث الجملة. وإن كانوا قد اختلفوا في بعض الصور التي تجتمع فيها حقوق الله تعلى مع حقوق الآدميين ولم يمكن الوفاء بها جميعا، أيهما يقدم؟ ٢.

وهذه بعض نصوص الفقهاء الدالة على العمل بهذه القاعدة فيما إذا


١ انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٨/١٩٩-٢٠٠، وشرح صحيح مسلم للنووي ١٧/٢٥.
٢ من تلك الصور ما إذا اجتمعت في تركة الميت حقوق مالية متعلقة بذمته لله تعالى، كالزكاة، وحقوق متعلقة بذمته للآدميين كالديون ولم تف التركة بها جميعا فإن المالكية يرون تقديم دين الآدمي على وفق هذه القاعدة، ويرى الحنفية أن حقوق الله تعالى المتعلقة بالذمة تسقط بموت من وجبت في ذمته إلا إذا أوصى بإخراجها، أو تبرع غيره بأدائها عنه، ومعنى سقوطها عنه: عدم لزومها في ماله بعد موته، مع بقاء المؤاخذة بها إذا كان مفرطا. وللشافعية في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها تقديم حقوق الله، والثاني تقديم حقوق المخلوقين، والثالث: تساويهما، ورجح النووي الأول منها.
وذهب الحنابلة إلى تساوي الحقين فإذا اجتمعت في التركة ديون الله وديون الآدميين ولم تف التركة بها فإنهم يتحاصصون على نسبة ديونهم. وإنه ليظهر من تعليل بعض الفقهاء أنهم إنما قدّموا حقوق الله تعالى – هنا – لأنها حقوق مالية والحق المالي لا يسقط بالشبهة كما صرح بذلك النووي فدل على أن هذه الصورة خرجت عن الأصل لسبب خاص، والله أعلم. انظر: فتح الباري ٤/٧٩، وشرح صحيح مسلم ٨/٢٧، وتبيين الحقائق للزيلعي ٦/٢٣٦-٢٤٠، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص٣٦٠، والعذب الفائض ١/١٥، والحقوق المتعلقة بالتركة ليوسف قاسم ص٣٩-٤٠، والفقه الإسلامي وأدلته ٨/٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>