للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يفدون إليهم من مختلف الأمصار، ولم تقم سوق "الكناسة" بالكوفة التي كانوا يرتفقون منها حاجتهم مقام "المريد" بالبصرة مهبط الشعراء والخطباء من العرب المياسير، والأعراب العقف١ المنتجعين للأرزاق.

هذا مع قصوهم عن جزيرة العرب ينبوع معين هذا العلم، وحيلولة صحراء السماوة بينهم وبينها، فلم تكن لهم فيها إلا رحلات قليلة لبعد الشقة وثقل المؤونة كرحلة الكسائي المعروفة، وهو زعيم طبقتهم الثانية التي تحاذي الرابعة البصرية، أما طبقتهم الأولى فلم تكن لها رحلات، على حين أن الطبقة الثالثة البصرية التي تقابلها أبلت في الرحلات بلاء حسنا عاد على اللغة العربية بالأثر الذي لا يبلى.

على أنه لم يقف ذلك دون رواج الشعر فيما بينهم، والشعر على كل حال ذو النصيب الأوفى في تدوين القواعد بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله لتماسكه ومصايرته لأحداث الزمان بل قد فاقوا البصريين في علمه بفضل الأوراق المطمورة من عهد النعمان بن المنذر، نقل ابن جني في حماد الراوية الكوفي "قال: أمر النعمان فنسخت له أشعار العرب في الطنوج٢ "الكراريس" ثم دفنها في قصره الأبيض فلما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي قيل له: إن تحت القصر كنزا فاحتقره، فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة"٣.

ولقد كانوا قبل العثور على هذه الأوراق مسوقين إلى الشعر عن رغبة ملحة وغريزة فيهم متأصلة منذ حل العرب الكوفة، يؤيد ذلك أن عليا كرم الله وجهه لما رجع بهم من قتال الخوارج، على أن يستعدوا لقتال أهل الشام


١ جمع أعقف، وهو العربي الجافي.
٢ ولا واحد لها.
٣ الخصائص باب "في ما يرد عن العرب مخالفا لما عليه الجمهور"، ومن خبر المختار أنه وثب بالكوفة سنة ٦٦هـ في عهد عبد الله بن الزبير طلبا لثأر البيت العلوي فوجه إليه أخاه مصعبا فقتله سنة ٦٧هـ وهو من رءوس الفتن في الإسلام.

<<  <   >  >>