لهما في البيت ابن يعيش في شرح المفصل قسم الحروف مبحث تاء التأنيث الساكنة وابن هشام في المغني الباب الأول مبحث "كل"، وقد استشهد بالبيت الرضي في شرح الشافية مبحث التقاء الساكنين على نمط رأي الكسائي، وكتب على البيت شارح شواهده البغدادي فأوفاه حقه، ونقل كل ما قيل فيه من خلاف بين الكسائي والفراء ومن مناظرة بين المبرد وثعلب مع الإسهاب المفيد في الشاهد الثالث والثمانين، وموطن العبرة في هذا المقام أن بيتا يحدث فيه خلاف بين السابقين مشهور متعالم تتناقله الكتب أخيرا، ثم تجد في البيت نفسه بعدئذ مناظرة يخفق فيها أحد المتناظرين وتتناقلها كتب أخرى، وبعد إذ يدع العلماء المسألة على أذلالها١ دون تمحيص فيها يتبين منه جلية الأمر، ومن ثم ترى انفساح الميدان للأقاويل والخلافات، وربما لو تكشفت الحقائق الأولى بصورة واحدة وتناولها كل من تناولها وهي هي دون نقص أو زيادة أو تحريف.
وتكشفت مع هذا أيضا آراء العلماء بعضهم لبعض لتغير مجرى العلم في كثير من المسائل، وإنك لتأخذ من ذلك مثلا من الأمثال في عدم الوقوف على حقائق المسائل، إذ ليس في وسع كل كاتب ومؤلف أن تكون كل الرغائب في مكنة يده وتحت بصره، فللكاتب بعدئذ العذر فيما يكتب أو يملي، إذ يعتمد على معيار تفكيره ومنطقه وعلى كل حال جزى الله السابقين عن أهل العلم خير الجزاء.
هذا ويقرب من المناظرات شأنا، وإن غايرها اتجاها، ما يعرف عند المؤرخين بالمجالسات، ولقد كان يجري فيها التساؤل عرضا، ولذا حرص على تدوينها المتأدبون بل كتبت فيها أسفار خاصة، كمجالس "أبي مسلم، ومجالس ثعلب"، ولنذكر واحدا منها مما جرى في هذا الطور كضرب المثل.