للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحرص على الاعتزاز بالشواهد الوثيقة لدعم الأحكام التي قررها.

شواهده:

عني سيبويه في كتابه بالشواهد لتثبيت الأحكام والإذعان بها من القرآن الكريم ونثر العرب والشعر، ولم يجنح إلى الاستدلال بالحديث الشريف شأن أسلافه ومعاصريه وذلك لانعدام الثقة في نقل الحديث بلفظه الوارد عنه -صلى الله عليه وسلم- لتصريح العلماء بجواز الرواية بالمعني، إذ لو وثقوا بلفظه لجرى مجرى القرآن الكريم في القواعد الكلية، ثم صارت سنة جارية بعده في المتقدمين والمتأخرين لم يبتدع خلافها غير ابن خروف وابن مالك ثم الرضي الذي أضاف إلى الحديث في الاستشهاد به كلام أهل البيت رضي الله عنهم، وقد أنكر ابن الضائع وأبو حيان على ابن مالك في حديث طويل، وللشاطبي تفصيل قيم في شأن الحديث الشريف نذكره في ترجمته بمشيئة الله تعالى.

فالقرآن الكريم قد بلغ ما ذكره في الكتاب من أي ما يُرْبِي على ثلثمائة آية، قال المازني اعتذارا عن تعليم الذمي الكتاب في نظير أجر كبير: إن هذا الكتاب يشتمل على ثلثمائة وكذا آية من كتاب الله عز وجل ولست أرى أن ناحية الاستعمال العربي وهي بين يدي القارئ فلا حاجة إلى ذكر مثال منها، وفي غير الكثير منها قد تذكر بعض آيات استئناسا لناحية المعنى في الأحكام، قال سيبويه: "وقد يكون "علمت" بمنزلة "عرفت" لا تريد إلا علم الأول، فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} ١، وقال سبحانه: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ٢، فهي ههنا بمنزلة عرفت"٣، وقد تذكر بعض آيات أخرى عندما يكون ظاهرها مخالفا للحكم الذي ذكره لتخريجها على ما يوافقه، قال سبيويه: "وأما قوله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ


١ سورة البقرة، الآية: ٦٥.
٢ سورة الأنفال، الآية: ٦٠.
٣ راجع جـ١ ص١٨.

<<  <   >  >>