بكروا وأسروا في متونِ صوافنٍ ... قيدتْ لهم من مربطِ النجارِ
لا يبرحونَ ومنْ رآهمْ خالهمْ ... أبداً على سفرٍ من الأسفارِ
ومما يتبعُ هذا في الاستعارة قول مسلم
ورأس مهرانَ قد ركبتَ قلتهُ ... لدناً كفاهُ مكانَ الليتِ والجيدِ
ما زالَ يعنفُ بالنعمى ويغمطُها ... حتى استقلَّ بهِ عودٌ على عودِ
وضعتهُ حيثُ ترتابُ الريحُ به ... وتحسدُ الطيرَ فيه أضبعُ البيدِ
تغدو السباعُ فترميهِ بأعينها ... تستنشقُ الجو أنفاساً بتصعيدِ
وقال الخزيمي
وعصبةٍ أصبحوا ركباً على خشبٍ ... منصوبة قد رسا في الأرضِ راسيها
مجردينَ سوى ما كانَ منْ أزرٍ ... ما يرتجى خلفٌ يوماً لمبليها
وقال الآخرُ في
قائمٌ قاعدٌ بفيهِ شريطْ ... كالحُ الوجهِ ظاهرُ الأضراسِ
باسطٌ باعهُ بغيرِ عناقٍ ... مائلٌ رأسهُ بغيرِ نعاسِ
وقال ابن الرومي
كمْ بأرضِ الشآمِ غادرتَ منهمْ ... غابراً موفياً على أرضِ نجدِ
يلعبُ الدستبندَ فرداً وإنْ كا ... نَ بهِ شاغلٌ عنِ الدستبندِ
وأنشد المبردُ له
قام ولما يستعنْ بساقهِ ... آلفَ مثواهُ على فراقهِ
كأنهُ في الشبحِ منْ وثاقهِ ... رأى حبيباً همَّ باعتناقهِ
كأنه يضحكُ من أشداقهِ
وقال ابنُ المعتز
أرانيكَ الإلهُ قرينَ جذعٍ ... يضمكَ غيرَ ضمِ الالتزامِ
كلوطيٍّ لهُ أيرٌ طويلٌ ... يفخذُ للمؤاجرِ من قيامِ
وقال إبراهيمُ بن المهدي
كأنهُ شلوُ كبشٍ والهواءُ لهُ ... تنورُ شاويةٍ والجذعُ سفودُ
وقال دعبلٌ
لمْ ترعيني مثلَ صفِّ الزطِّ ... خمسينَ منهمْ صلبوا في خطِ
كأنما غمستهمْ في نفطِ
وأفرد واحداً فقال:
... ... كأنهُ في جذعهِ المشتطِّ
أخو نعاسٍ جدَّ في التمطي ... قدْ خامرَ النومَ ولمْ يغطِّ
وأحسن ما قيل في ذلك قول بعض الأعراب
وكأنهُ رأسٌ برأسِ تنوفةٍ ... ناطتْ عصاهُ يداهُ بالأكتافِ
باب) ٦ (في
[الفرس]
ومن التشبيهات الجياد في صفة الفرس قول امرئ القيس
وقد أعتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً ... كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ من علِ
فوصفهُ بالسرعةِ في العدوِ والظفرِ عند الطلب وقال عبد الله بن المعتز في سرعة الفرس
أسرعُ من ماءٍ إلى تصويبِ ... ومنْ رجوعِ لحظةِ المريبِ
وقال آخرُ وهو عليُّ بن الجهم
فوقَ طرفٍ كالطرفِ في سرعةِ الطرْ ... فِ وكالقلبِ قلبهُ في الذكاءِ
لا تراهُ العيونُ إلا خيالاً ... وهو مثلُ الخيالِ في الانطواء
ووصف ابن القريةِ فرساً أهداهُ الحجاجُ إلى عبدِ الملك فقال قد وجهت بفرس حسن القد أسيل الخد يسبق الطرف ويستغرق الوصف وقيل لأعرابي كيف عدو فرسكَ قال يعدو ما وجد أرضاً وللشعراء في وصف الفرس أشعار كثيرة منهم أبو دؤاد الإيادي والنابغة والجعدي والأسعر الجعفي ومزرد وسلامة بن جندل وطفيل الغنوي وغيرهم من القدماء والمحدثين ولمن بينهم، ولكن الشرط في ما بينته في هذا الكتاب اختيار نوادر التشبيهات دون الأوصاف والاستعارات وما جاء في ذكر هذا الباب كثير ولو قصدنا تبويب الأبواب لبطل الشرط في التشبيه وزال حسن الاختيار واختلط الغث بالسمين والبارد بالحار وبالله نثق ونستعين قوله: قيد الأوابدِ هيكل: فالأوابد كل ما تأبد أي توحش من بقر الوحش والظباء وغيرهما واحدتها آبدة ومنه قولهم: لقد جئت بآبدة من الكلام أي بوحشيته، فأخبر أنه أدركها فصار كالقيد لها وفي الظفر بالصيد يقول في قصيدة أخرى
إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطبِ
وقال عمارة بن عقيل يذكر فرساً
وأرى الوحش في يمنيي إذا ما ... كانَ يوماً عنانهُ في شمالي
وقال أبو نواس في مثل هذا من الثقة
قدْ أغتدِي والطيرُ في مثواتها ... بأكلبٍ تمرحُ في قداتِها
تعدُّ عينَ الوحشِ منْ أقواتِها
وقال الشماخُ
قليلُ التلادِ غيرَ قوسٍ وأسهمٍ ... كأنَّ الذي يرمَى من الوحش تارزُ