كأنَّ في كأسها سراباً ... تخيلهُ المهمهُ القفارُ
كأنها ذاك حين يزهى ... لو لم يشب لونها اصفرارُ
لا ينزلُ الليلُ حيثُ حلتْ ... فدهرُ شرابها نهارُ
وقال أيضاً المنسرح
تلعبُ لعبَ السرابِ في قدحِ الق ... ومِ إذا ما حبابها اتصلا
وقال النابغة في صفة الصدر
ترائبُ يستضيءُ الحليُ فيها ... كجمرِ النارِ بذرَ في الظلامِ
وقال امرؤ القيس
كأنَّ عيونَ الوحشِ حولَ خبائنا ... وأرحلنا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وقال الطائي
جودٍ كجودِ السيلِ إلا أنهُ ... كدرٌ وأنَّ نداكَ غيرُ مكدرِ
وقال الطائي
بمخضبٍ رخصٍ كأنَّ بنانهُ ... عنمٌ على أغصانهِ لم يعقد
وقال أبو نواس يهجو جعفر بن يحيى
قالوا امتدحتَ فماذا اعتضتَ قلتُ لهم ... خرقَ النعالِ وإخلاقَ السراويلِ
قالوا فسمِ لنا هذا فقلتُ لهم ... بلْ وصفهُ يعدلُ التصريحَ في القيلِ
ذاك الأميرُ الذي طالتْ علاوتهُ ... كأنه ناظرٌ في السيفِ بالطولِ
وقال الناجم
إذا ما تلاقتْ للجدالِ عصابةٌ ... رأيتَ أناساً لا يحلونَ مستورا
إذا قلَّ هذا تارةً فلَّ تارةً ... وقاهرُ ذا يمسي لآخرَ مقهورا
لقد أصبحوا مثل الزجاجِ جمعتهُ ... بطحٍ فأضحى الكلُّ بالجمعِ مكسورا
وقال المصيصي
أف لقاضٍ لنا وقاحِ ... أمسَى برياً من الصلاحِ
كأنَّ دنيةً عليهِ ... غرابُ بينٍ بلا جناحِ
وليس في الرأسِ منه شيءٌ ... يدورُ إلا أبو رياحِ
وقال الطائي وقد خلع عليه الحسن بن وهب رداء
قد كساني من كسوةِ الصيفِ خرقٌ ... مكتسٍ من فضائلٍ ومساعِ
كالسرابِ اللموعِ في القاعِ إلا ... أنهُ ليسَ مثلهُ في الخداعِ
وتراهُ تسترجفُ الريحُ متني ... هِ بأمرٍ من الهبوبِ مطاعِ
رجفاناً كأنه الدهرُ منه ... كبدُ الصبِ أو حشا المرتاعِ
وقال ابن الرومي
ألا يا هندُ هل لك في قمدٍ ... غليظٍ تفرحينَ به متينِ
يشدُّ به حشاكِ غلامُ نيكٍ ... من الفتيانِ منقطعُ القرينِ
يذكرُ بالقمدِ العردِ حتى ... تأنثَ نعتهُ قبلَ اليقين
فمنْ يره يبولُ يخلهُ أنثى ... بدا من فرجها ثلثا جنين
وقال راشد الكاتب
إني بليتُ بقسٍ لي أمرضهُ ... يبكي لمصرعهِ الناقوسُ والديرُ
كأنَّ قطريهِ في قربِ التقائهما ... سيرُ الركابِ إذا ما ركبَ السيرُ
وله
أيرٍ تعقف واسترخت مفاصلهُ ... مثل العجوزِ حناها شدةُ الكبرِ
يقومُ حينَ يريدُ البولَ منحنياً ... كأنه قوسُ ندافٍ بلا وترِ
وله
كأنه ويدُ الحسناء تغمزهُ ... سيرُ الإداوةِ لما مسهُ البلل
وله المنسرح
كأنَّ أيري من لين مقبضه ... خريطةٌ قد خلتْ من الكتبِ
أو حيةٌ نضوةٌ مطوقةٌ ... قد قلبتْ رأسها على الذنبِ
وقال ابن الرومي
شددتُ منها نظرةٌ على عجلْ ... آخرها أولها من العجل
كالشمسِ عامتْ يومها إلى الطفلْ ... ثم انجلتْ والشطرُ منها قد أفلْ
وقال صاحب الكتاب التشبيه، وإن كان في الشعر أحسنَ وعلى الشاعر أصعب لأنه يتعمدُ إصابة التشبيه ويتخير الألفاظ ويحترس من اللحن والإحالة ويزين الكلام ويحصره بالقافية فإن للأدباء والظرفاء والحكماء والمتأملين والمجان والمخنثين تشبيهاتٍ صحيحاتٍ ومعاني رائعاتٍ ونحن نذكر منها جملةً مختارة ثم نعود إلى الشعر وبالله التوفيق والقوة.
[باب ٩٠ في]
[لطائف]
وصف أبو الحارث جميز جعفر بن يحيى فقال كان مشجباً من حيثُ لقيته مهولاً وقال ابن المعتز
لو كنتَ من شيءٍ خلافكَ لم تكنْ ... لتكونَ إلا مشجباً في مشجبِ
يا ليتَ لي من جلدِ وجهكَ رقعةُ ... فأقدَّ منها حافراً للأشجبِ
وهذا قول منصور بن باذانَ الأصبهاني المجتث
يا ليتَ حافرَ نعلي ... من بعضِ جلدةِ وجهك
أهجو ببعضكَ بعضاً ... من ذا يقومُ لكلكْ
لطائف