كمهيأينِ من المطاعمِ فيهما ... شبهٌ من الأبرارِ والفجارِ
هامٌ وأرغفةٌ وضاءٌ فخمةٌ ... قد أخرجا من جاحمٍ فوارِ
كوجهِ أهلِ الجنةِ ابتسمتْ لنا ... مقرونةً بوجوهِ أهلِ النارِ
وقال في العنب
ورازقي مخطفِ الخصورِ ... كأنهُ مخازنُ البلورِ
قد ضمنتْ مسكاً إلى النحورِ ... وفي الأعالي ماءَ وردٍ جوري
لم يبقِ منه وهجُ الحرورِ ... إلا ضياءَ في ظروفِ نورِ
له مذاقُ العسلِ المشورِ ... وبردُ مسِ الخصرِ المقرورِ
ونفحةُ المسكِ مع الكافورِ ... ورقةُ الماء على الصدورِ
لو أنه يبقى على الدهورِ ... قرط آذانَ الحسانِ الحورِ
بلا فريدٍ وبلا شذورِ ... باكرتهُ والطيرُ في الوكورِ
وعذرَ الذواتُ في البكورِ ... والطلُّ مثلُ اللؤلؤ المنثورِ
من نافعٍ فيها ومن محذورِ ... في فتيةٍ من ولدِ المنصورِ
أملأ للعينِ من البدورِ ... حتى أتينا خيمةَ الناطورِ
فانقضَّ كالطاوِي من الصقورِ ... قبلَ طلوعِ الشمسِ للذرورِ
بطاعةِ الراغبِ لا المقهورِ ... ثم جلسنا جلسةَ المحبورِ
بينَ سماطَيْ شجرٍ مسطورِ ... على حفافي جدولٍ مسجورِ
أبيضَ مثلِ المهرقِ المنشورِ ... ينسابُ مثلَ الحيةِ المذعورِ
ثم أتانا بضروعٍ خورِ ... مملوءةٍ من عسلٍ محصورِ
ناهيكَ للعنقودِ من ظهورِ
وله فيه
ورازقيٍّ مخطفٍ خصورهُ ... قد أينعتْ مسكاً إلى الأسافلِ
كأنه مخازنٌ مملوءةٌ ... من ماء وردٍ فيه مسكٌ ثافلِ
[باب ٧٨ في]
[الموعظة]
قال ابن الرومي
ترحاً لدنيا إنما ... سكانها رفقٌ مخبهْ
كم غرَّ قوماً حلوها ... من مرها إلا الألبهْ
فتهافتوا في شهدها ... فتهالكوا مثلَ الأذبَّهْ
وقال أبو العتاهية المديد
كلُّ شيء فيه موعظةٌ ... عظُ الإنسانَ لو عقلا
إنما الدنيا كمرحلةٍ ... حلها الإنسانُ وارتحلا
وقال البحتري
وكانتْ حياةُ المرءِ سوقاً إلى الردَى ... وأيامهُ دونَ المماتِ مراحلُ
وقال أبو العتاهية
أأخيَّ لا تنسى القبو ... رَ فإنها لك موعدُ
وكأنَّ شيئاً لم تنل ... هُ العينُ ساعةَ يفقدُ
وقال القطامي
وأرى المنيةَ للرجالِ حبائلاً ... شركاً يعادُ به لمنْ لم يعلقِ
وقال طرفة
لعمركَ إنْ الموتَ ما أخطأ الفتى ... لكالطولِ المرخَى وثنياهُ باليدِ
وقال أبو العتاهية
ألا يا موتُ لم أر منكَ بداً ... أتيتَ فما تحيفُ ولا تحابي
كأنكَ قد هجمتَ على مشيبي ... كما هجمَ المشيبُ على شبابي
وله
وكأنَّ منْ وارتهُ حفرتهُ ... لم يبدُ منهُ لناظرٍ شخصُ
ليدِ المنيةِ في تلطفها ... عن ذخرِ كلِّ شفيقةٍ فحصُ
وله
وكأنَّ من دفنتهُ أيدٍ في الثرى ... لم يغنِ حباً حين يرجعُ دافنهْ
جسدٌ سيخربُ حين تخرجُ روحهُ ... كالبيتِ يخربُ حين يخرجُ ساكنهْ
وله
والموتُ لا يخفى على أحدٍ ... ممنْ أرى وكأنه يخفى
ولقد مررتُ على القبورِ فما ... ميزتُ بينَ العبدِ والمولى
[باب ٧٩]
قال بشار
تشتهي قربك الربابُ وتخشى ... عينَ واشٍ وتتقي إسماعهْ
أنتَ من قلبها محلَّ شرابٍ ... تشتهي شربهُ وتخشى صداعهْ
وقال ابن هرمة المتقارب
يحبُّ المديحَ أبو خالدٍ ... ويفرقُ من صلةِ المادحِ
كعذراءَ تبغي لذيذَ النكاحِ ... وتفرقُ من صولةِ الناكحِ
وله مثلهُ
فأنتَ في المدحِ كالعذراءِ يعجبها ... مسُّ الرجالِ ويثني قلبها الفرقُ
تبدي بذاك سروراً وهيَ مشفقةٌ ... كما يهابُ نشيشَ الحيةِ الفرقُ
وقال كثيرٌ
تنيل نزراً قليلاً وهي مشفقةٌ ... كما يهابُ نشيشَ الحيةِ الفرقُ
[باب ٨٠ في]
[الهجو]
قال ابن الرومي في ابن أبي الجهم الكاتب
يابنَ أبي الجهمِ احتقب هذا اللطفْ ... فإنَّ فيه طرفةً من الطرفْ
يا جثةَ التلِّ ويا وجه الهدفْ ... يا روثةَ الفيلِ ويا لحمَ الصدفْ