للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يستنكر الجحود يا عباد الله مع ظهور الأدلة، فهذا شأن النفوس الجاهلة الظالمة، تجد الرجل منغمسًا في النعم وقد أحاطت به من كل جانب وهو يشكو حاله ويتسخط مما هو فيه (١) وربما أنكر النعمة، فضلال النفوس وغيها لا حد له تنتهي إليه.

ودل الدليل العقلي والشرعي على انتهاء المخلوقات والمصنوعات إلى خالق واحد، موصوف بصفات يؤثر بها في المخلوقات ومقاديرها وأشكالها وهيئاتها عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر» فقال الأعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الضباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها. قال: «فمن أجرب الأول؟!» وفي لفظ: «أفرأيت الأول من أعداه» (٢) .

فكل مخلوق له أول، والخالق سبحانه لا أول له؛ فهو وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.

ومن الأدلة العقلية ما أبقاه الله تعالى من آثار عقوبات أهل الشرك وآثار ديارهم وما حل بهم، وما أبقاه من نصر أهل التوحيد وإعزازهم وجعل العاقبة لهم، قال تعالى:

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: ٣٩] وقال في ثمود {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ


(١) قلت: وإذا سئل بعض هؤلاء كيف حالك؟ قال: «ادعوا لي» .
(٢) بين - صلى الله عليه وسلم - الدور والتسلسل وقطعهما بأوجز لفظ وأبينه، ففهم السامع من هذا أن إعداء الأول إن كان من إعداء غيره له فإنه لم ينته إلى غاية فهو التسلسل في المؤثرات، وهو باطل بصريح العقل. وإن انتهى إلى غاية وقد استفادت الجرب من إعداء من جرب به له فهو الدور الممتنع.

<<  <   >  >>