أن من بعض أنواعه نعمة النفَس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، له عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس، فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤] .
هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور له بأكثرها {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}[الأنبيَاء: ٤٢] أي هو سبحانه المنعم عليهم بحفظهم وحراستهم مما يؤذيهم بالليل والنهار وحده، لا حافظ لهم غيره.
هذا مع غناه التام عنهم وفقرهم التام إليه سبحانه. وفي بعض الآثار:«أنا الجواد، ومن أعظم مني جودًا وكرمًا، أبيت أكلأ عبادي في مضاجعهم وهم يبارزونني بالعظائم» وفي الترمذي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى السحاب قال:«هذه روايا الأرض يسقوها الله إلى قوم لا يذكرونه ولا يعبدونه» وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليجعلون له الولد وهو يرزقهم ويعافيهم» وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: «ابن آدم خيري إليك صاعد، كم أتحبب إليك بالنعت وأنا غني عنك، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح» .
ولو لم يكن من تحببه إلى عباده وإحسانه إليهم وبره بهم إلا أنه خلق لهم ما في السموات والأرض وما في الدنيا والآخرة، ثم أهلهم وكرمهم، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وشرع لهم