قدرته؛ ولا نسبة أصلاً بين كمالات العَالَم وكمال الله سبحانه (١) فيجب أن يكون حب العبد له أعظم من حبه لكل شيء بما لا نسبة بينهما. ومن لم يتحقق بمحبته علمًا وعملاً لم يتحقق بشهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها، وتخضع له وتذل له، وتخافه وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها، وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه؛ وليس ذلك إلا الله وحده؛ ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته.
فاتقوا الله عباد الله، وأحبوا الله بكل قلوبكم، فهذا شأن المؤمنين به. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البَقَرَة: ١٦٥] . بارك الله لي ولكم ...
(١) ونذكر من ذلك صفة واحدة تعتبر بها سائر الصفات، وهو أنك لو فرضت جمال الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم اجتمع لشخص واحد منهم، ثم كان الخلق كلهم على جمال ذلك الشخص لكان نسبته إلى جمال الرب تبارك وتعالى دون نسبة سراج ضعيف إلى جرم الشمس، وكذلك قوته سبحانه وعلمه وسمعه وبصره وكلامه وقدرته ورحمته وحكمته ووجوده وسائر صفاته. هذا مما دلت عليه آياته الكونية السمعية وأخبرت به رسله عنه، كما في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله لا ينام ... » إلى أن قال: «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه، ولو كشف حجاب النور عن تلك السبحات لأحرق العالم العلوي والسفلي، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله. وإذا كانت السموات مع عظمتها وسعتها يجعلها على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والبحار على إصبع فما الظن باليد الكريمة التي هي صفة من صفات ذاته (الصواعق ص١٠٨٢) .