وأما مطلق النعمة فيكون للمؤمن والكافر- كنعمة الصحة، والغنى، وبسط الجاه، وكثرة المال والولد، والزوجة الحسنة، وأمثال ذلك، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: ٣٤] وهذه النعمة لما كانت استدراجًا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن نعمة وإنما كانت بلية، كما سماها الله في كتابه كذلك فقال جل وعلا:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفَجر: ١٥] .
فالمنعم عليهم هم من عرف الحق واتبعه.
و {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هم من عرفه واتبع هواه. قال الله تعالى في حق اليهود:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}[البَقَرَة: ٩٠] أي بغضب بعد غضب بسبب تكرر كفرهم وإفسادهم وقتلهم الأنبياء وكفرهم بالمسيح وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - ومعاداتهم لرسل الله إلى غير ذلك من الأعمال التي كل عمل منها يقتضي غضبًا على حدة- فتعطيلهم ما عطلوه من شرائع التوراة وتحريفهم وتبديلهم يستدعي غضبًا. وتكذيبهم الأنبياء يستدعي غضبًا آخر. وقتلهم إياهم يستدعي غضبًا آخر. وتكذيبهم المسيح وطلبهم قتله ورميهم أمه بالبهتان العظيم يستدعي غضبًا، وتكذيبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يستدعي غضبًا، ومحاربتهم له ولأتباعه يقتضي غضبًا. وصدهم من أراد الدخول في دينه عنه يقتضي غضبًا- فهم الأمة الغضبية- أعاذنا الله من غضبه- فهي الأمة التي باءت بالغضب المتضاعف المتكرر، وكانوا أحق بهذا الوصف من النصارى. وقال تعالى في شأنهم: