والقول بأن «الشمس واقفة» من أبطل الباطل، ومناف للآية الكريمة: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: ٣٨] . وغلط أيضًا من يقول المراد تجري حول نفسها (فتاويه ورسائله) انرظ ج ١٣/١٠٧- ١١٠. ولسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كتاب «الأدلة النقلية والحسية: على جريان الشمس، وسكون الأرض، وإمكان الصعود إلى الكواكب» استقصى فيه الأدلة، ورد فيه على المعترض (من مطبوعات الجامعة الإسلامية ١٣٩٥هـ) . ونقل فيه عن الكاتب الشهير محمد فريد وجدي بعد ذكره اختلاف الفلكيين في كتابه «الإسلام في عصر العلم» ج (٢/١٤١) قوله: «ومن هنا ترى تأكيدهم أن الأرض تدور لا معنى له؛ لأنه لا يوجد ما يثبته بالتجربة» ونقل عنه أيضًا قوْله: «يرى من تضارب أفكار أكبر علماء الأرض- يعني الفلكيين والطبيعيين المتأخرين- إن دوران الأرض غير حاصل على ما يجعله من الأمور البديهية» إلى أن قال: «ولو كان المعلمون في أثناء تدريسهم للعلوم الطبيعية يسلكون مسلك العلماء في الإقرار بالجهل لأدوا إلى تلاميذهم أكبر خدمة» ؛ لأنهم بهذا يعودونهم على الأدب النفسي فتنشأ نفوسهم معتادة على التواضع أمام فخامة الكون وجلالته والسجود أمام مبدعه ومصوره، ولكن أكثرهم يدرسون لهم العلوم المشكوك فيها والفروض الطبيعية الظنية بصفة حقائق ثابتة، فيتذرع بها أولئك التلاميذ الأغرار متى كبروا إلى «الإلحاد، ونفي الروح والخلود» ولا يدرون أنهم يتمسكون بالظنون، وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا. اهـ. قال سماحة الشيخ عبد العزيز: «وما أحسن ما قاله هذا العلامة في شأن المدرسين، وأن الواجب عليهم أن يوضحوا لتلاميذهم حقائق الأمور على ما هي عليه، ومدى علمهم بها، وأن يسلكوا مسلك العلماء في الاعتراف بالجهل بكثير من الأمور حتى يعتاد الطالب التوقف عما لا يعلم، والتثبت في الأمور، والتمييز بين المعلومات القطعية والظنية» اهـ. أقول: وما ذكره محمد فريد وجدي من أن هذه النظريات المشكوك فيها عندهم سببت الإلحاد إلخ. هو كما قال؛ فقد فعلت في العقائد أكثر مما فعلته كتب المنطق والكلام. وكذلك قوله: «ولكن أكثر المعلمين يدرسون لهم هذه العلوم المشكوك فيها بصفة حقائق ثابتة» هو كما قال أيضًا، حتى ولا يذكرون ما جاء عن الله في القرآن من وصف السموات والأرض- ولو كقول آخر- فكأنه يراهم بهذه الطريقة مدلسين على التلاميذ.. فقد ذكر الله سبحانه خلقه للسموات والأرض والنجوم بل وآدم أبي البشر والملائكة والجن وصفاتها والمواد التي خلقها الله منها والمدة التي خلقها الله فيها؛ بل والعرش والكرسي والجنة والنار، وأن ذلك صادر عن علم وحكمة، وإرادة وقدرة؛ لا عن اتفاق وصدفة. وكذلك لا يذكرون في نظرياتهم رب العالمين وعظمته وصفاته التي وصف بها نفسه. وأنه هو «الأول» قبل كل شيء وأمره الذي افترضه على عباده، وأن ما سواه محدث كائن بعد أن لم يكن. فإهمالهم هذه الأشياء العظيمة وتركيزهم على تلك النظريات مما سبب الإلحاد الذي ذكره. والقول بدوران الأرض حلقة من سلسلة هذه النظريات. و «الحلقة الثاني» قولهم: «إن الكرة الأرضية تكونت نتيجة تساقط ذرات دقيقة من المواد الصلبة في تجمع غير منتظم بحيث أدى تجمع الكثير منها إلى تكوين أجزاء يابسة مرتفعة، بينما تعرضت الأجزاء التي قل فيها تساقط الكويكبات إلى تكوين أحواض المحيطات، ويرجع سبب تكوين الكويكبات إلى حدوث تمدد انبعاجي في سطح الشمس بسبب مرور نجم آخر أكبر بجوارها، ونتيجة انفجارات عديدة في سطح الشمس تولدت التفاعلات الذرية، وظل تأثير النجم الآخر حتى أثر في دوران الأجزاء المنفصلة حول نفسها وحول الشمس إلخ. انظر في «جغرافية القارات» ص (٦٩) ط (١٤١٧) نقلاً عن عبد العزيز طريح شرف في «الجغرافيا الطبيعية» ص (٦٨، ٦٩، ٥٣) » . «الحلق الثالثة» «نظرية الغاز الكوني الأول المتفق عليها عندهم» . قالوا: «اتفق العلماء على أصول هذه النظرية وهي تقول: نشأ العالم المادي من غاز كوني أول كان شديد التخلخل وساخنًا إلى حد مَّا وكان مالئًا للفضاء ومنتشرًا فيه بانتظام ومؤلفًا من دقائق تكونت منها أنواع المادة الثلاثة» ثم ذكر «نظرية السدم» أو المجرات. (انظر معجزة القرآن في وصف الكائنات ص٨٠) وذكر عنهم نظريات مشابهة. قال صاحب المنجد- وهو أعلم بلغة قومه- «سُدُمْ» الضباب، أو الرقيق منه، بقع في الكرة السماوية ضعيفة النور: منها ما هو تجمع غازات مضيئة، ومنها يضم العديد من الكواكب. اهـ. {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: ١٥] . وذكر في معجزة القرآن قولهم: «فالأرض تلف حول نفسها في أربعة وعشرين ساعة بسرعة ألف ميل ونصف الميل في الساعة على طول محيطها، وتجري في فلكها حول الشمس بسرعة ثمانية عشر ميل ونصف ميل في الثانية» . أقول: الطائرات تطير في كل اتجاه على مدار الساعة، فأيها الموافق لدورة الأرض اليومية، وأيها المخالف لدورتها، وما نتيجة التخالف في السرعة بالأميلا إذا كانت. وإن قيل: الهواء تابع للأرض فإن كان بحيث يمسك من صعد إليه فلم يغادر أحد ولم يقدم أحد. وقولهم: إن الأرض تدور حول الشمس تسعمائة وأربعون مليون كيلو مترًا، بسرعة ٧٦/٢٩ كيلو متر في الثانية. أقول: ليتصور أحدهم أنه في سيارة مكشوفة أو على جناح إحدى الطائرات وهي تسير بسرعة تسعة وعشرين كيلو متر في الثانية، كيف يكون حاله وتماسكه؟! وماذا عليهم لو رسموا الأرض في الموضع الذي رسموا فيه الشمس «في أطلس العلوم الطبيعية» ص (١٢٠) ورسموا الشمس في المواضع التي رسموا فيها الأرض- إذا صحت هذه المسافات-. علمًا بأن الانتفاع بالشمس وتغير فصول السنة والأرض ساكنة هو، هو، وأن معرفة تنقل الشمس في بروجها الاثني عشر، القمر في منازله الثمانية والعشرين كافية، ولا فائدة تتوقف على القول بدوران الأرض.