وبالجملة فكانت تفوت هذه الحكمة التي بها انتظام العالم.
ومن الذي جعل فيها الجنات والحدائق والعيون، ومن الذي جعل باطنها بيوتًا للأموات وظاهرها بيوتًا للأحياء.
ومن الذي يحييها بعد موتها فينزل عليها الماء من السماء ثم يرسل عليها الريح ويطلع عليها الشمس فتأخذ في الحبل فإذا كان وقت الولادة مخضت للوضع واهتزت وأنبتت من كل زوج بهيج فسبحان من جعل الماء كالأب والأرض كالأم والقطر كالماء الذي ينعقد منه الولد فإذا حصل الحب في الأرض ووقع عليه الماء أثرت نداوة الطين فيه وأعانتها السخونة المختفية في باطن الأرض فوصلت النداوة والحرارة إلى باطن الحبة فاتسعت الحبة وربت وانتفخت وانفلقت عن ساقين ساق من فوقها وهي الشجرة وساق من تحتها وهو العرق، ثم عظم ذلك الولد حتى لم يبق لأبيه نسبة إليه، ثم وضع من الأولاد بعد أبيه آلافا مؤلفة، كل ذلك صنع الرب الحكيم في حبة واحدة لعلها تبلغ في الصغر إلى الغاية وذلك من البركة التي وضعها الله سبحانه في هذه الأم.
فيا لها من آية تكفي وحدها في الدلالة على وجود الخالق وصفات كماله وأفعاله وصدق رسله فيما أخبروا به بإخراج من في القبور، ليوم البعث والنشور.
فتأمل اجتماع هذه العناصر الأربعة وتجاورها وامتزاجها وحاجة بعضها إلى بعض وانفعال بعضها ببعض وتأثيره فيه وتأثره به بحيث لا يمكنه إلا الاتباع من التأثر والانفعال، ولا يستقل الآخر بالتأثير،