الصم الصلاب، وكيف نصبها فأحسن نصبها، وكيف رفعها وجعلها أصلب أجزاء الأرض لئلا تضمحل على تطاول السنين وترادف الأمطار والرياح.
هذه الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها وفيها من المنافع ما لا يحصيه إلا خالقها وناصبها.
وفي حديث ضمام بن ثعلبة قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «بالذي نصب الجبال وأودع فيها المنافع آلله أمرك بكذا وكذا؟ قال: اللَّهم نعم» .
فمن فمنافعها أن الثلج يسقط عليها فيبقى في قللها حاملاً لشراب الناس إلى حين نفاده (١) .
ومن منافعها ما يكون في حصونها وقللها من المغارات والكهوف والمعاقل التي بمنزلة الحصون والقلاع أكنان للناس والحيوان. ومن منافعها ما ينحت من أحجارها للأبنية على اختلاف أصنافعها والأرحية وغيرها.
ومنافعها ما يوجد فيها من المعادن على اختلاف أصنافعها من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزبرجد والزمرد وأضعاف ذلك من أنواع المعادن التي يعجز البشر عن معرفتها على التفصيل، ثم هدى تعالى الناس إلى استخراج تلك المعاد منها وألهمهم كيف يصنعون منها النقود والحلي والزينة واللباس والسلاح
(١) جعل فيها ليذوب أولاً فأولاً فتجيء منه السيول الغزيرة، وتسيل منه الأنهار والأودية، فينبت في المروج والوهاد والربا ضروب النبات والفواكه والأدوية التي لا يكون مثلها في السهل والرمل، فلولا الجبال لسقط الثلج على وجه الأرض فانحل جملة وساح دفعة فعدم وقت الحاجة إليه، وكانت في انحلاله جملةً السيول التي تهلك ما مرت عليه فيضر بالناس ضررًا لا يمكن تلافيه ولا دفعهم لأذيته.